Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Nov-2019

معسكر بوكا، سجن أبو غريب، وصعود التطرف في العراق

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كاثي كيلي* – (كاونتربنتش) 29/10/2019
يمكننا أن نعمل على إلغاء الحرب، وأن ننعى موت أطفال البغدادي، ونتساءل عن كيف أدت الظروف داخل معسكرات الجيش الأميركي في العراق إلى تطرف البغدادي وأتباعه من “داعش”.
* * *
صباح 28 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن قتل أبو بكر البغدادي وثلاثة من أبنائه. وقال الرئيس ترامب إن البغدادي، مؤسس “داعش”، كان يفر من القوات العسكرية الأميركية، في نفق، ثم قتل نفسه بتفجير سترة انتحارية كان يرتديها.
كانت القوات الأميركية قد ألقت القبض على البغدادي في العام 2004، وسجنته لمدة عشرة أشهر في كل من سجن أبو غريب ومعسكر بوكا في العراق.
وقد زرت معسكر بوكا في كانون الثاني (يناير) 2004، عندما كان ما يزال قيد الإنشاء، وكان المعسكر عبارة عن شبكة من الخيام في منطقة معزولة بائسة من العراق في جنوب البصرة.
قبل دخول وفدنا من منظمة “أصوات” المكون من ثلاثة أشخاص إلى العراق في ذلك الشهر، انتظرنا من أجل الحصول على التأشيرات في عمان، الأردن. وأثناء وجودنا هناك، زارَنا شابان فلسطينيان ووصفا لنا تجربتهما خلال ستة أشهر من السجن قضياها في معسكر بوكا.
بينما يستذكران التجربة الرهيبة، تذكرا مدى شعورهما بالخوف، والنوم على الرمال المليئة بالعقارب الصحراوية؛ وكيف كان يتم عرض السجناء، عرايا، أمام النساء العسكريات الأميركيات، ويُطلب منهم أن ينبحوا مثل الكلاب، أو يقولوا “أنا أحب جورج بوش” قبل أن تُملأ أوعيتهم الفارغة بالطعام. وبما أنهما لم يكونا قادرين على التواصل مع أي شخص خارج السجن، كانا يأملان فقط في أن يتم إطلاق سراحهما عندما يأتي دورهما أخيراً في المثول أمام محكمة من ثلاثة أشخاص.
كان خمسة من أصدقائهما ما يزالون قابعين في السجن. وطلبا منا زيارة هؤلاء الأصدقاء والتماس إطلاق سراحهم. وكانوا كلهم فلسطينيين يدرسون للحصول على شهادات مهنية في بغداد. ومع ترددهم أمام فقدان فرصهم في التخرج في نهاية المطاف، خاطروا بالبقاء في بغداد طوال فترة القصف المسمّاة “الصدمة والرعب” في العام 2003. ثم وصل جنود مشاة البحرية الأميركية إلى مسكنهم في شارع حيفا ببغداد وقاموا بشكل منهجي بجمع الطلاب الذين يحملون بطاقات هوية أجنبية. وتم تصنيفهم على أنهم “مواطنو بلد ثالث” واقتادوهم إلى سجون مختلفة.
في بغداد، كان أصدقاؤنا من “فرق صانعي السلام المسيحيين” قد جمعوا مسبقاً قاعدة بيانات تضم الأسماء وأرقام السجون لمساعدة العراقيين على اكتشاف مكان وجود أقاربهم المفقودين. وعثروا لنا على أرقام السجون لاثنين من الشبان الذين طُلب منا زيارتهم ونصحونا بأن نسأل عن الميجور غاريتي، وهي ضابط في الجيش الأميركي كانت مسؤولة عن معسكر بوكا.
سافرنا إلى أقصى بلدة في جنوب العراق، أم قصر، وجلسنا على طاولة نزهة مهترئة خارج معسكر بوكا، في انتظار قرار الرائد غاريتي. وعتّمت الآفاق عندما علمنا، لدى وصولنا، أننا أتينا بعد انتهاء ساعات الزيارة، وأن اليوم التالي للزيارة سيكون بعد ثلاثة أيام.
لم يكن في المكان ظل، وكانت الرمال مغلفة بالشحوم السوداء، وكنا نبصق دائماً ذباباً صغيراً أسود من أفواهنا. كان معسكر بوكا أحد أكثر المواقع التي واجهتها جهنمية على الإطلاق. ومع ذلك، شعرنا بالامتنان عندما وصل الخبر بأن الرائد غاريتي وافقت على زيارتنا.
حملتنا شاحنة عسكرية صغيرة عبر امتداد من الرمال، وسرعان ما كنا نشهد احتضاناً دامعاً رقيقاً بين أحد السجناء وشقيقه، وهو طبيب أسنان من بغداد، كان يرافقنا.
من دون سؤال، أضاف السجناء، وكلهم في العشرينات من العمر، إلى قصص المظالم التي كان قد رواها أصدقاؤهم المفرج عنهم في السابق. تحدثوا عن الشعور بالوحدة، والرتابة، والإهانة وعدم اليقين المخيف الذي يواجهه السجناء عندما تحتجزهم، من دون تهمة، قوة معادية، وبلا أي خطط واضحة للإفراج عنهم. لكنهم شعروا ببعض السلوى من علمهم بأننا يمكن أن نخبر أقاربهم بأننا التقيناهم.
في وقت لاحق، قالت الرائد غاريتي إن توقعات إطلاق سراح المحتجزين ليست إيجابية للغاية. وقالت، وهي تحدِّثُنا بنظرة العارِف: “يجب أن تكونوا سعداء لأنهم هنا معنا وليسوا في بغداد. إننا نعطيهم الطعام والملبس والمأوى هنا. كونوا سعداء لأنهم ليسوا في بغداد”. وفي وقت لاحق، في أيار (مايو) 2004، نشرت محطة “سي. إن. إن” تلك الصور من سجن أبو غريب. وبدأنا نفهم ماذا كانت تقصد.
في عددها ليوم 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، نقلت جريدة “نيويورك ريفيو أوف بوكس” عن ثلاثة ضباط، اثنين منهم غير مفوضين بالتصريح، متمركزين مع الفرقة 82 المحمولة جواً التابعة للجيش الأميركي في قاعدة العمليات الأمامية (فوب) ميركوري في العراق.
بينما يتحدثون شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وصف هؤلاء الضباط في مقابلات متعددة مع منظمة “هيومن رايتس ووتش” كيف استخدمت كتيبتهم في العامين 2003-2004 التعذيب الجسدي والعقلي بشكل روتيني كوسيلة لجمع المعلومات الاستخبارية وللتنفيس عن الإجهاد.
وذُكر أن تعذيب المعتقلين كان ممارسة واسعة الانتشار ومقبولة لدرجة أنه أصبح يُستخدم وسيلة لمجرد تخفيف الضغط؛ حيث كان الجنود يذهبون إلى خيمة المعتقل لضربه أو “تدخينه”. ويشير “التدخين” إلى الإجهاد البدني القسري للمعتقل، أحياناً إلى درجة إفقاده الوعي.
لم تكن ممارسة “التدخين” مقصورة على تخفيف توتر الجنود، وإنما كانت أساسية أيضاً في نظام الاستجواب الذي تستخدمه الشعبة 82 المحمولة جواً في وحدة “فوب ميركوري”. وكان الضباط وضباط الصف من وحدة الاستخبارات العسكرية يوجهون الحراس إلى “تدخين” المحتجزين قبل الاستجواب، ويأمرون بأن لا يحصل بعض المحتجزين على النوم أو الماء، أو أي طعام غير البسكويت.
كان “التدخين” الموجَّه يستمر لمدة اثنتي عشرة إلى أربع وعشرين ساعة قبل الاستجواب. وكما قال أحد الجنود: “قال (ضابط المخابرات العسكرية) إنه يريد أن يكون المعتقلون مُجهدين و”مُدخَّنين” جيداً وهابطي المعنويات جداً بحيث يرغبون في التعاون.
وقال رقيب لمنظمة “هيومِن رايتس ووتش: “إذا كان (المعتقل) شخصاً طيِّباً، كما تعرفون، فإنه سيصبح الآن شريراً بسبب الطريقة التي عاملناه بها”.
للعنف الذي جلب تنظيم “داعش” إلى حيز الوجود تاريخ طويل.
في العديد من الرحلات التي قاموا بها إلى العراق في الفترة من العام 1996 إلى العام 2003، أصبح أعضاء وفود منظمة “أصوات” يفهمون الإرهاق والمعاناة التي لا تطاق والتي اختبرتها العائلات العراقية التي تعيش وجوداً خالياً من اليقين تحت طائلة العقوبات الاقتصادية. وفي الفترة بين الحربين، قدرت الأمم المتحدة حصيلة الموت بين الأطفال وحدهم، بسبب الانهيار الاقتصادي المفروض من الخارج والحصار على الغذاء والدواء ولوازم تنقية المياه وغيرها من الضروريات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، بخمسة آلاف طفل شهرياً، وهو تقدير قبله المسؤولون الأميركيون من دون استنطاق.
كانت اعتداءات الولايات المتحدة، من عاصفة الصحراء (1991) إلى “الصدمة والرعب” (2003) -التي تحققت من خلال القصف الجوي، والتجويع القسري للأطفال، واستخدام اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض، ومن خلال إطلاق الرصاص، والغارات الليلية، وحظر الأدوية، وإفراغ الخزانات، وتقطيع خطوط الطاقة؛ ومن خلال صناعات الدولة المهجورة والمدن التي تُترك للتحلُّل في نوبات من التطهير العرقي -كانت كلُّها حرباً متواصلة واحدة.
إلى جانب الانتهاكات التي ارتكبت في حق السجناء في أماكن مثل معسكر بوكا، و”فوب ميركوري”، وأبو غريب، وغوانتانامو، أدت الحرب الأميركية، على نحو متوقع، إلى تعزيز بناء “داعش” والتزام أبو بكر البغدادي بمبدأ “العين بالعين”.
عندما طُلب من الرئيس ترامب، في العام 2016، أن يتحدث عن مقطعه المفضل في الكتاب المقدس، قال “العين بالعين”. ولا يبدو أنه يدرك أن يسوع رفض هذه التوصية.
قال يسوع: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ”.
بدلاً من الحث على الانتقام، تحدث يسوع عن اللاومقاومة الكريمة من خلال كسب قلب الخصم وعقله.
إننا لا نحتاج إلى اختيار العمى أو الكراهية التي تجعلنا ننقاد في خوف. بدلاً من ذلك، يمكننا أن نسعى إلى دفع تعويضات عن المعاناة التي تسببت بها حروبنا. ويمكننا أن نعمل على إلغاء الحرب، وأن نحزن على موت أطفال البغدادي، وأن نسأل عن كيف أدت الظروف داخل معسكرات الجيش الأميركي في العراق إلى تطرف البغدادي وأتباعه من “داعش”.
 
*تشارك في تنسيق أنشطة منظمة “أصوات من أجل اللاعنف الإبداعي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Camp Bucca, Abu Ghraib and the rise of extremism in Iraq