الغد - جون ويتبك* - (كاونتربنش)
سوف يتطلب تحقيق حل الدولتين عقوبات شاملة وقاسية متعددة الأوجه تفرضها الحكومات الغربية، مصحوبة بعزلة دولية لوضع إسرائيل في خانة الدولة المنبوذة من قبل المجتمعات الغربية والاتحادات الرياضية الدولية.
* * *
مع انعقاد الجلسة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي أعلنت ما لا يقل عن سبع دول غربية نيتها الاعتراف الدبلوماسي بدولة فلسطين خلالها، يصرّح العديد من المعلقين المحترمين وذوي الخبرة بأن "حل الدولتين" لم يعد ممكنًا، وأن الدعوة إليه والسعي وراءه ليسا سوى مضيعة للوقت. وفي حين أنه أصبح من شبه المستحيل -اليوم أكثر من أي وقت مضى- تخيل تحقيق أي قدر من العدالة للشعب الفلسطيني، فإن الاستنتاج المعاكس في ما يتعلق بـ"حل الدولتين" ربما يمكن الوصول إليه من خلال تقييم آفاق تحقيق هذه السيناريوهات الثلاثة الممكنة لمستقبل فلسطين.
1. استمرار الوضع الراهن -دولة فصل عنصري متفاقمة تسعى بنشاط إلى التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين الأصليين أو إبادتهم.
2. دولة ديمقراطية واحدة كاملة المساواة في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، يتمتع فيها الجميع بحقوق متساوية.
3. تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين، كما أوصت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في العام 1947، وإنما الآن على طول خطوط ما قبل حزيران (يونيو) 1967 بشكل أساسي، مع وضع خاص للقدس بحيث تكون عاصمة مشتركة.
بينما سيكون السيناريو الثاني هو الأكثر إرضاءً من الناحية الأخلاقية والإنسانية في نظر معظم الناس، فإنه يجب الاعتراف بأن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن 14 في المائة فقط من الفلسطينيين يؤيدون هذا السيناريو، وأن نسبة الإسرائيليين اليهود المؤيدين له يُرجَّح أن تكون حتى أقل من ذلك، وأنها لا توجد أي حكومة أجنبية حاليًا تدعو إلى هذا السيناريو.
وعلى النقيض من ذلك، فإن السيناريو الثالث تدعو إليه، ولو من الناحية الخطابية، كل الحكومات الأجنبية باستثناء الحكومة الأميركية (التي كانت تدعو إليه، ولو بشكل خطابي، لعقود عدة قبل رئاسة ترامب الأولى)، مع أن 147 دولة منحت مُسبقًا اعترافًا دبلوماسيًا بدولة فلسطين، وهناك المزيد التي وعدت بالقيام بذلك هذا الشهر.
في الحقيقة، وبناءً على استيفاء فلسطين لمعايير الدولة الأربعة المنصوص عليها في "اتفاقية مونتفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول" (التي لا تلتزم بها إسرائيل بالكامل، حيث إنها، بخلاف فلسطين، لم تحدد حدودها أبدًا)، وحصولها على الاعتراف الدبلوماسي من أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والتي تضم الغالبية الساحقة من البشر، فإن "دولة فلسطين" موجودة مُسبقًا كمسألة قانونية دولية. غير أنها لا تؤدي وظيفتها بفعالية على الأرض لأن كامل أراضيها ما تزال خاضعة لاحتلال عدائي وعدواني تمارسه دولة إسرائيل، وهو احتلال أعلنت "محكمة العدل الدولية" أنه غير قانوني.
التحدي إذن هو جعل واقع الدولة الواحدة القائم على الفصل العنصري على الأرض يتوافق مع شرعية الدولتين بموجب القانون الدولي من خلال إنهاء الاحتلال غير القانوني.
سوف يتطلب فعل ذلك ما هو أكثر من التطلعات الخطابية ومجرد الاعترافات الدبلوماسية. سوف يتطلب عقوبات شاملة وقاسية متعددة الأوجه تفرضها الحكومات الغربية، مصحوبة بعزلة دولية لوضع إسرائيل في خانة الدولة المنبوذة من قبل المجتمعات الغربية والاتحادات الرياضية الدولية، من أجل إقناع غالبية الإسرائيليين بأن إنهاء الاحتلال سيُحسّن من جودة حياتهم، وهو ما سيحدث بالفعل.
ومع أنه لا ينبغي توقع أي خير من أي حكومة أميركية، فإن قادة الحكومات الأوروبية، الذين أيقظتهم من سباتهم الأخلاقي شدةُ السعي إلى قدر من العدالة الذي أظهره مواطنوهم، والذين أثبتوا قدرتهم على فرض نحو 20 جولة من العقوبات ضد روسيا بسبب أفعال أقل إجرامًا بكثير من الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في حق الفلسطينيين، قد يتمكنون، حتى ولو بدافع مصالحهم السياسية الذاتية، من مطابقة خطابهم الأخلاقي الاستعراضي بأفعال جدية وذات معنى وفعالة.
لذلك، يقع على عاتق المواطنين الأوروبيين الشرفاء أن يفعلوا كل ما في وسعهم لإلهام حكوماتهم كي تفعل ما يلزم لتحقيق نهاية الاحتلال وتحويل شرعية الدولتين القائمة في القانون الدولي إلى واقع عملي على الأرض.
سيكون القيام بذلك أمرًا بالغ الصعوبة، وقد يكون النجاح فيه أمرًا غير مرجح منطقيًا، ولكن لا يجوز رفض إمكانية النجاح باعتبارها غير قابلة للتصور. وبما أن السيناريو الثاني أصبح أكثر استحالة من أي وقت مضى منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فإن التخلي عن السيناريو الثالث سيُشكّل حالة افتراضية وسيكون استسلامًا لمواصلة السيناريو الأول المحتوم -واقع الفصل العنصري، والتطهير العرقي، والإبادة.
*جون ف. ويتبك John V. Whitbeck: محامٍ دولي مقيم في باريس، اشتهر بكتاباته وتحليلاته القانونية والسياسية المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي والقانون الدولي. عمل مستشارًا قانونيًا للجانب الفلسطيني خلال المفاوضات مع إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي، كما نشر مقالات ودراسات في صحف ومجلات دولية مرموقة تناولت قضايا الشرعية الدولية، العدالة، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. يتميز أسلوبه بالجمع بين الصرامة القانونية والرؤية النقدية للسياسات الغربية في الشرق الأوسط، ما جعله مرجعًا مهمًا للباحثين والمتابعين لشؤون المنطقة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Three Scenarios for the Future of Palestine