الغد
هآرتس
بقلم: يوسي كلاين
هذا الأسبوع امتدت هوامش الموت إلى أستراليا. في عناقنا الجماعي للدب رسخنا الادعاء المعادي للسامية، أن اليهود هم أولا وقبل أي شيء آخر يهود، ثم بعد ذلك هم مواطنون مخلصون للبلاد التي يعيشون فيها.
إن خطر الموت يوحد كل اليهود في العالم من أجلنا. لقد أصبحنا آكلي موت، والبعض يعتقدون أن هذا مديح. لدينا مبررات من هنا وحتى القدس، ولكن في نهاية المطاف سنكون مشابهين للألمان الذين قتلوا أجدادنا. في الـ "إس.إس" (قوات الأمن الخاصة النازية) علقوا على بدلاتهم شعار الجمجمة، أما نحن فنعلق شعار حبل المشنقة. الصورة مختلفة ولكن المعنى واحد: نحن آكلي موت، ونتفاخر بذلك. لقد سمعت أصوات تكسير العظام عندما نقلت القناة 14 أنباء الوفيات في فيضانات غزة. لقد تحول الإعدام من ضرورة عملياتية إلى روتين. ما يزال التعامل معه صعبا بعض الشيء بالنسبة لنا. إن استخدام مصطلح "الإبادة" بدلا من الإعدام يخفف هذه الصعوبة. الخاطفون في خط 300 لم "تتم تصفيتهم". لقد تم إعدامهم.
اليوم مشكوك فيه إن كانوا سينشرون تقريرهم النهائي، ومشكوك فيه إن كان أحد سيسمع بالأمر، وإذا سُمع فمشكوك فيه إن كان سيتحمس له. بعد النشر في صحيفة "هآرتس" خشيت الحكومة من الضغط الشعبي وشكلت لجنة للتحقيق في الأمر.
عندما قتل الجندي إليعازر أزاريا إرهابيا مصابا، لم تخف الحكومة لأن أغلبية الشعب طالبت بإغلاق القضية. وعندما قتل الجندي أفيعد فريج المواطن يوفال كستلمان قبل سنتين، لم يعد الشعب يهتم، وتم تأجيل محاكمته والجمهور نسي الأمر.
الإعدام في المناطق هو اليوم حدث لا يوجد فيه اهتمام جماهيري، روتين. الجمهور يعرف ويصمت وينسى. هو لا يرى أنه لا يوجد مراسل لشؤون المناطق في قنوات التلفزيون، وشؤون المناطق يتم أحيانا الإبلاغ عنها وأحيانا لا.
إذا وجد نير دبوري نفسه الآن في وضع الخط 300 فهل كان سينشر عن ذلك أم لا؟ من المؤكد أنه لا.
من المرجح أن دبوري اليوم سيعرف ما لم يعرفه العاملون في "حداشوت" في حينه، وهو أن الجمهور لا يهتم بمعرفة الحقيقة. لو كان مراسلو حداشوت أكثر نضجا وإدراكا للرأي العام لكانوا أخفوا صورة أليكس ليبيك، ولما كانوا تساءلوا إذا كان نشر عملية الإعدام صحيحا، إلا إذا حصل على استحسان القراء.
القراء لم يحبوا ذلك، لكن المراسلين في حينه كانوا فخورين بالنجاح المهني. الآن هم سيدركون أن الجمهور غير شريك في السرور، الذي من ناحيته لا يوجد أي فرق بين تكسير جمجمة اثنين من الخاطفين في خط 300 بالحجارة وبين قتل 100 طفل بصاروخ من طائرة. اليوم القتل بدون محاكمة هو أمر مشروع، ليس قتل واحد أو اثنين، بل مئات وآلاف. في الحرب كل شيء مباح، وهي لن تنتهي أبدا. قتل فلسطيني لا يجب النشر عنه.
المراسلون أصحاب الخبرة يدركون أن غياب التغطية الإعلامية يعزز الثقة ويخفف وطأة تانيب الضمير (الجيش يعرف ما يفعله!). كم مرة قتلنا فيها مسؤولين كبار بدون أن يسأل مراسل واحد: ما الهدف؟ هل هو الانتقام، أو جزء من خطة محكمة، أو مجرد فرصة تم استغلالها؟
عندما لا يسأل الجمهور، فإن المراسلين لا يبحثون عن أجوبة.
الجمهور لا يعارض الإعدام، لكن شريطة عدم إبلاغه عنها. وسائل الإعلام تتلاءم مع شروطه لأنها تكسب الرزق من خلال ملاءمة مضمونها مع المزاج العام. لقد أدركت أن إسرائيل 1984 وخط 300 ليست هي نفس إسرائيل بعد 7 أكتوبر. لقد أصبح القتل ضرورة عملية للانتقام. يريد الجمهور أن يعرف أنهم يقتلون، لكنه يطالب بعدم إبلاغه بالتفاصيل.
لن تجذب احتفالات مقصلة بن غفير في ميدان رابين جمهورا واسعا. إن مقصلة بن غفير هي قمة الوحشية. الوحشية هي أيضا تجاهل أي عامل إنساني. ووفقا لنظرية المراحل لإشعياهو ليفوفيتش فقد أكملنا بالفعل "مرحلة التحيين قبيل لحظة من نهاية الصهيونية". إن دعم تأييد مليون شخص (حسب الاستطلاعات) لنتنياهو رغم المعرفة التامة بهذا الشخص وعمّا هو مسؤول، هو تحيين قطيع. أما المليون الذين يعارضون نتنياهو فهم يعيشون في يأس كبير لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. والخوف يكمن في أن التحيين أمر متأصل فينا إلى درجة أنها ستبقى حتى بعد رحيل نتنياهو.