Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Feb-2021

الرذائل الفكرية: لماذا يؤمن بعض الأشخاص بنظرية المؤامرة؟

 الغد-ترجمة: موفق ملكاوي

 
قاسم قسام*
 
تعرف إلى أوليفر. مثل العديد من أصدقائه يعتقد أوليفر أنه خبير بأحداث 11 سبتمبر. وهو يقضي معظم وقت فراغه يبحث في المواقع، وقد أقنعته أبحاثه بأن الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن العاصمة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 كانت عملا داخليا. بحسبه، ما كان لتأثير الطائرة وما نجم عنها من حرائق أن يتسبب في انهيار البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي. ويؤكد أن التفسير الوحيد القابل للتطبيق هو أن عملاء الحكومة قاموا مسبقا بزرع متفجرات. هو يدرك، بالتأكيد، أن الحكومة تلقي باللوم على القاعدة في أحداث 11 سبتمبر، لكن رده المتوقع هو: يقولون هذا، أليس كذلك؟
تشير أدلة الاستطلاعات إلى أن آراء أوليفر حول 11/9 ليست غير عادية بأي حال من الأحوال. في الواقع، النظريات الغريبة حول كل الأشياء منتشرة الآن. هناك نظريات المؤامرة حول انتشار الإيدز، والهبوط على سطح القمر العام 1969، والأجسام الطائرة الغريبة، واغتيال جون كنيدي. في بعض الأحيان، يتبين أن نظريات المؤامرة على حق، فقد كانت ووترجيت مؤامرة بالفعل. هي في الواقع صور توضيحية حية لحقيقة مدهشة عن الكائنات البشرية: مهما كان ذكاؤنا ومعرفتنا، ولكن بطرق أخرى، ما يزال الكثيرون منا يعتقدون بالأمور الغريبة. يمكنك العثور على أشخاص يعتقدون أنهم خطفوا من قبل فضائيين، وأن المحرقة لم تحدث أبدا، وأن السرطان يمكن علاجه بالتفكير الإيجابي. ووجد استطلاع أجرته مؤسسة هاريس في العام 2009 أن ربع الأميركيين يؤمنون بالتناسخ والتنجيم ووجود السحرة. سمه ما تشاء، وستجد، ربما، أن هناك شخصا ما يعتقد به.
بالطبع، فإن نظرية أوليفر حول الحادي عشر من أيلول(سبتمبر) ليس لها سوى القليل من الحظ، وهذا قد يجعلك تتساءل عن سبب تصديقها. السؤال “لماذا يعتقد أوليفر أن 11 سبتمبر كان عملا داخليا؟” هو مجرد نسخة من سؤال أكثر عمومية يطرحه المتشكك الأميركي مايكل شيرمر: لماذا يصدق الناس أشياء غريبة؟ الاعتقاد الأغرب، أنه كلما كان الاعتقاد أكثر غرابة كلما كان هناك شخص ما يصدقه. نسأل لماذا يعتقد الناس أن الأشياء الغريبة لا تشبه السؤال عن سبب اعتقادهم بأنها تمطر بينما هم ينظرون من النافذة ويرون المطر ينهمر. من الواضح لماذا يعتقد الناس أنها تمطر عندما يكون لديهم أدلة مقنعة، ولكن من غير الواضح لماذا يعتقد أوليفر أن أحداث 11 سبتمبر كانت عملا داخليا عندما يكون لديه إمكانية الوصول إلى أدلة دامغة على أنها لم تكن عملا داخليا.
أريد أن أناقش أمرا مثيرا للجدل، على الرغم من أنني أعتقد أنه أيضا بديهي ومنطقي. ادعائي هو: يؤمن أوليفر بما يفعله لأن هذا هو نوع المفكر الذي هو عليه، أو، بصراحة أكثر، لأن هناك خطأ ما في طريقة تفكيره. المشكلة في نظرية المؤامرة ليست، كما يقول الباحث القانوني الأميركي كاس سنشتاين، أن لديهم القليل من المعلومات ذات الصلة. المفتاح إلى ما ينتهي بهم الأمر للاعتقاد به هو كيف يفسرون ويستجيبون للحجم الهائل من المعلومات ذات الصلة والمتاحة لهم. أود أن أقترح أن هذا هو في الأساس سؤال الطريقة التي هم عليها. أوليفر ليس مجنونا (أو على الأقل، لا يحتاج إلى أن يكون كذلك). ومع ذلك، فإن معتقداته حول 11 سبتمبر هي نتيجة لخصائص بنيته الفكرية – وبمعنى أدق، خصائص شخصيته الفكرية.
عادة، عندما يحاول الفلاسفة شرح لماذا يعتقد شخص ما بأشياء (غريبة أو غير ذلك)، فإنهم يركزون على أسباب ذلك الشخص بدلا من سماته الشخصية. من وجهة النظر هذه، فإن طريقة شرح لماذا يعتقد أوليفر أن 11 سبتمبر كانت عملا داخليا هي لتحديد أسبابه في تصديق ذلك، والشخص الذي هو في أفضل وضع ليخبره عن أسبابه هو أوليفر نفسه. عندما تشرح اعتقاد أوليفر بإعطاء أسبابه، فأنت تعطي “تفسيرا منطقيا” لإيمانه.
المشكلة في هذا هو أن ترشيد التفسيرات يأخذك إلى حيث أنت فقط. إذا سألت أوليفر لماذا يعتقد أن 11 سبتمبر كان عملا داخليا، فسيكون من دواعي سروره، بالطبع، أن يعطيك أسبابه، ويصر عليها: “يجب أن تكون عملا داخليا، لأن تأثيرات الطائرات لا يمكن له إسقاط الإبراج”. إنه مخطئ في ذلك، لكن على أي حال هذه هي قصته وهو ملتزم بها. ما فعله، في الواقع، هو شرح واحد من معتقداته المشكوك فيها بالرجوع إلى اعتقاد آخر مشكوك فيه أكثر من سابقه. للأسف، هذا لا يخبرنا عن سبب تبنيه لأي من هذه المعتقدات. هناك شعور واضح بأننا ما نزال نجهل ما يحدث معه.
والآن، دعونا نجعل قصة أوليفر متألقة قليلا: فلنفترض أنه يعتقد أن الكثير من نظريات المؤامرة الأخرى تختلف عن نظريات 11 سبتمبر. ويعتقد أن عمليات الهبوط على سطح القمر كانت مزورة، وأن ديانا، أميرة ويلز، قُتلت على يد جهاز MI6، وأن فيروس إيبولا هو أحد الأسلحة البيولوجية المسربة. أولئك الذين يعرفونه جيدا يقولون إنه يمكن خداعه بسهولة، ولديك أدلة مستقلة على أنه غير مبال في تفكيره، ولديه فهم ضئيل للفرق بين الأدلة الحقيقية والتكهنات غير المثبتة. فجأة سيبدو كل شيء منطقيا، لكن فقط لأن التركيز قد تحول من أسباب أوليفر إلى شخصيته. يمكنك الآن رؤية آرائه حول أحداث 11 سبتمبر في سياق سلوكه الفكري بشكل عام، وهذا يفتح إمكانية تفسير مختلف وأعمق لمعتقده أكثر من الذي يقدمه: فهو يعتقد أن 11 سبتمبر كان عملا داخليا. لأنه ساذج بطريقة معينة. لديه ما يسميه علماء النفس الاجتماعي “عقلية المؤامرة”.
لاحظ أن تفسير الشخصية المقترح ليس تفسيرا منطقيا. ففي النهاية لا تعد السذاجة سببا للاعتقاد بأي شيء، رغم أنها قد تكون السبب في أن أوليفر يعتقد أن أحداث 11 سبتمبر كانت عملا داخليا. وعلى الرغم من أن أوليفر ربما يتوقع أن يعرف أسباب اعتقاده أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) كانت عملا داخليا، فإنه آخر شخص يدرك أنه يؤمن بما يعتقده بشأن هجمات 11 سبتمبر لأنه ساذج. إنه في طبيعة العديد من السمات الفكرية التي لا تدرك أنك تملكها، وبالتالي لا تدرك المدى الحقيقي الذي يتأثر تفكيرك بها. ونادرا ما يعتقد السذج أنهم سذج، ولا يعتقد أصحاب العقلية المغلقة أنهم منغلقون. الأمل الوحيد في التغلب على الجهل الذاتي في مثل هذه الحالات هو القبول بأن الأشخاص الآخرين – زملاؤك في العمل، وزوجك/ زوجتك، وأصدقاؤك – ربما يعرفون شخصيتك الفكرية بشكل أفضل من معرفتك أنت بها. لكن حتى ذلك لن يساعد بالضرورة. في النهاية، قد يكون رفض الاستماع إلى ما يقوله الآخرون عنك هو أحد صفاتك الشخصية الفكرية، فبعض العيوب غير قابلة للشفاء.
السذاجة واللامبالاة والعقلية المنغلقة هي أمثلة على ما أسمته الفيلسوفة الأميركية ليندا زاجزبيسكي في كتابها “فضائل العقل” (1996)، “الرذائل الفكرية”. وتشمل الأمثلة الأخرى على الإهمال والكسل والاستعلاء والانسداد الفكري والتعصب وعدم الدقة وعدم مراعاة التفاصيل. سمات الشخصية الفكرية هي عادات أو أساليب تفكير. لوصف أوليفر بأنه ساذج أو غير مبال هو أن يقول شيئا عن أسلوبه الفكري أو عقله – على سبيل المثال، حول كيفية محاولته اكتشاف أشياء عن أحداث مثل أحداث 11 سبتمبر. سمات الشخصية الفكرية التي تساعد على التحقيق الفعال والمسؤول هي فضائل فكرية، في حين أن الرذائل الفكرية هي سمات الشخصية الفكرية التي تعيق التحقيق الفعال والمسؤول. إن التواضع والحذر والانتباه هي من بين الفضائل الفكرية التي يفتقر إليها أوليفر بوضوح، وهذا هو السبب في أن محاولاته للوصول إلى حقيقة 11/9 خاطئة للغاية.
أوليفر خيالي، ولكن ليس من الصعب العثور على أمثلة واقعية من الرذائل الفكرية في السلوك. فكر في قضية عمر الفاروق عبد المطلب، الذي حاول تفجير رحلة من أمستردام إلى ديترويت في العام 2009. ولد عبد المطلب في لاغوس بنيجيريا، لأبوين ثريين ومثقفين، وتخرج من كلية لندن الجامعية بدرجة في الهندسة الميكانيكية. نزع نحو التطرف من خلال استماعه إلى الخطابات على الإنترنت للإسلامي أنور العولقي الذي قُتل في وقت لاحق بضربة بطائرة أميركية بدون طيار. من الصعب ألا نرى حقيقة أن عبد المطلب قد أستلب بخطب العولقي، على الأقل جزئيا، بسبب انعكاس شخصيته الفكرية. إذا كان لعبد المطلب شخصية فكرية لا يخدعها العولقي، لربما لم يكن قد انتهى به المطاف بطائرة فوق المحيط الأطلسي والمتفجرات في سرواله الداخلي.
تفسيرات الطابع الفكري للمعتقدات المشكوك فيها أكثر إثارة للجدل مما قد يتصور المرء. فعلى سبيل المثال، قيل إن تفسير سلوك الناس السيء أو المعتقدات الغريبة بالإشارة إلى شخصيتهم يجعلنا أكثر تعصبا منهم وأقل تعاطفا معهم. ومع ذلك، قد تظل مثل هذه التفسيرات صحيحة حتى لو كانت لها تبعات ضارة. على أي حال، ليس من الواضح أن تفسيرات الشخصيات يجب أن تجعلنا أقل تسامحا مع نواقص الآخرين. لنفترض أن أوليفر لا يمكنه إلا أن يكون الشخص الذي يسقط في نظريات المؤامرة. ألا يتوجب أن يجعلنا أكثر تسامحا معه، بدلا من أن نكون أقل تسامحا معه ومع معتقداته الغريبة؟
هناك اعتراض مختلف على التفسيرات المستندة إلى الشخصية، وهو أنه ليس صحيحا أن الناس لديهم معتقدات مشكوك فيها لأنهم أغبياء أو ساذجون. في كتاب “كيف نعرف ما هو غير ذلك؟” (1991)، يجادل عالم النفس الاجتماعي الأميركي توماس جيلوفيتش بأن العديد من هذه المعتقدات لديها “أصول معرفية بحتة”، والتي يعني من خلالها أنها ناجمة عن عيوب في قدراتنا على معالجة المعلومات واستخلاص النتائج. ومع ذلك، فإن المثال الذي يقدمه عن التفسير المعرفي يعيدنا إلى تفسيرات الشخصيات. مثاله هو “اليد الساخنة” في كرة السلة. الفكرة هي أنه عندما يقوم اللاعب بتسجيل رميتين، فإنه من المرجح أن يسجل رميات أخرى. النجاح يولد النجاح.
استخدم جيلوفيتش تحليلا إحصائيا مفصلا لإثبات أن اليد الساخنة غير موجودة – فالأداء في رمية معينة مستقل عن الأداء عن رميات أخرى. السؤال هو، لماذا يؤمن العديد من مدربي كرة السلة واللاعبين والمشجعين بذلك؟ التفسير المعرفي لجيلوفيتش هو أن الاعتقاد بـ”اليد الساخنة” يرجع إلى حدسنا الخاطئ حول متواليات الصدفة؛ كجنس بشري، نحن سيئون في التعرف على الشكل الحقيقي للمتواليات العشوائية.
ومع ذلك، عندما أرسل جيلوفيتش نتائجه إلى مجموعة من مدربي كرة السلة، فإن ما حدث بعد ذلك كان واضحا للغاية. رد أحدهم: “من هو هذا الرجل؟ إذن فهو أجرى دراسة. أنا غير مهتم”. هذا يبدو وكأنه صورة مثالية عن الرذائل الفكرية في العملية. أبرز رد الفعل الطائش مجموعة من الرذائل، بما في ذلك العقلية المنغلقة والتحيز. من الصعب ألا نستنتج أن المدرب كان يتصرف كذلك لأنه كان منغلقا أو متحيزا. في مثل هذه الحالات، كما هو الحال مع أوليفر، لا يمكن الوثوق في أن سمات الشخصية لا تؤدي عملا توضيحيا مهما. رد فعل المدرب الأقل انغلاقا ربما كان سيختلف تماما تجاه دليل على أن “اليد الساخنة” غير موجودة.
هل يمكننا تفسير رفض المدرب دون الإشارة إلى شخصيته بشكل عام؟ الخبراء يقولون إن سلوكنا يتم شرحه بشكل أفضل من خلال العوامل الظرفية منه في سماتنا الشخصية المفترضة. يرى البعض هذا كسبب وجيه للشك في وجود الشخصية. في إحدى التجارب، طُلب من الطلبة في مدرسة لاهوتية إلقاء محاضرة في مكان ما في الحرم الجامعي. وطُلب من مجموعة واحدة أن تتحدث عن الرمزية الخاصة بـ”السامري الصالح”، بينما أعطي الباقون موضوعا مختلفا. وقيل لهم إن لديهم الكثير من الوقت للوصول إلى مكان المحاضرة، في حين قيل للآخرين الإسراع. في طريقهم إلى المكان، مر جميع الطلبة بشخص (ممثل) على ما يبدو في حاجة إلى المساعدة. في هذه الحالة، المتغير الوحيد الذي أدى إلى اختلاف ما إذا توقفوا للمساعدة هو مقدار العجلة التي كانوا عليها؛ كان الطلاب الذين اعتقدوا أنهم متأخرون أقل رغبة بالتوقف والمساعدة أكثر من أولئك الذين اعتقدوا أن لديهم وقتا. ووفقا لفيلسوف برينستون هيربرت غيلبرت هارمان، فإن الدرس المستفاد من مثل هذه التجارب هو “أننا بحاجة إلى إقناع الناس بالنظر إلى العوامل الظرفية وإلى التوقف عن محاولة شرح الأشياء من حيث سمات الشخصية”.
سمات الشخصية التي كان يفكر بها هارمان هي الفضائل الأخلاقية مثل اللطف والكرم، لكن بعض الظرفيين يعترضون أيضا على فكرة الفضائل والرذائل الفكرية. على سبيل المثال، يشيرون إلى دليل على أن الناس يقدمون أداء أفضل في مهام حل المشكلات عندما يكونون في مزاج جيد. إذا كانت العوامل الظرفية السطحية مثل المزاج أو الجوع أفضل لشرح سلوكك الفكري وأكثر من شخصيتك الفكرية، فما هو المبرر للاعتقاد بوجود سمات شخصية فكرية؟ إذا كانت هذه السمات موجودة، فهل يتوجب ألا يفسرها السلوك الفكري؟ بالطبع لا، ولكن أمثلة مثل أوليفر ومدير كرة السلة في جيلوفيتش توحي بأن سمات الشخصية الفكرية تشرح السلوك الفكري للشخص في مجموعة كبيرة من الحالات. لا يصدق الناس أشياء غريبة لأنهم جائعون أو في مزاج سيئ (أو جيد). إن الرأي القائل بأن الناس لا يمتلكون صفات شخصية مثل السذاجة، أو الإهمال، أو التحيز، أو أن الناس لا يختلفون في الشخصية الفكرية، يحرمنا من التفسيرات التي تبدو مقنعة للسلوك الفكري لكل من أوليفر ومدرب كرة السلة.
نفترض أنه تبين أن أوليفر يعيش في منطقة تنتشر فيها نظريات المؤامرة أو أنه تحت تأثير الأصدقاء الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة. ألن تكون هذه تفسيرات ظرفية وقابلة للتطبيق بشكل كامل لمعتقداته حول أحداث 11 سبتمبر؟ فقط إلى حد ما. حقيقة أن أوليفر يتأثر بسهولة بأصدقائه تخبرنا بشيء عن شخصيته الفكرية. حيث أن حياة أوليفر يمكن أن تساعد في تفسير معتقداته، ولكن حتى لو كانت نظريات المؤامرة منتشرة على نطاق واسع، فما نزال في حاجة إلى فهم سبب تصديق بعض الناس في منطقته لها، بينما البعض الآخر لا يصدقها.
تساعد الاختلافات في الشخصية الفكرية على تفسير لماذا ينتهي الأمر بالناس في نفس الوضع إلى الاعتقاد بأشياء مختلفة كهذه. من أجل التفكير بأن السمات الفكرية ذات صلة بالسلوك الفكري للشخص، لا يتوجب عليك أن تفكر في أن عوامل أخرى، بما في ذلك العوامل الظرفية، ليست ذات صلة. تشرح الشخصية الفكرية السلوك الفكري فقط بالاقتران مع الكثير من الأشياء الأخرى، بما في ذلك وضعك والطريقة التي يعالج بها دماغك المعلومات. من المؤكد أن الوضعية ستشكل مشكلة لوجهة النظر القائلة إن سمات الشخصية تفسر سلوكنا بغض النظر عن العوامل الظرفية، ولكن هذا ليس منظور الشخصية التي يريد أي شخص الدفاع عنها.
عمليا، فإن من أصعب الأمور في التعامل مع أشخاص مثل أوليفر هو أنهم من المرجح كثيرا أن يتهموك بنفس الرذائل الفكرية التي تكتشفها فيهم. ستقول إن أوليفر ساذج لإيمانه بنظرية مؤامرة 11 سبتمبر. هو أيضا، سيعتبرك ساذجا لإيمانك باستنتاجات لجنة الحادي عشر من سبتمبر. أنت تقول إنه يرفض التقرير الرسمي لأحداث 11 سبتمبر لأنه منغلق. وهو يتهمك بأنك عقلية منغلقة لرفض أخذ نظريات المؤامرة على محمل الجد. إذا كنا غالبا ما نكون عميانا عن رذائلنا الفكرية، فمن نحن إذن لنتهم أوليفر بأنه فاشل في إدراك أن اعتقاده بنظرية المؤامرة يتأتى فقط من سذاجته؟
هذه كلها أسئلة مشروعة، ولكن من المهم ألا تشعر بالانزعاج الشديد بسبب هذه المحاولة لقلب الطاولة عليك. صحيح، لا أحد محصن من الجهل بالذات. هذا لا يعفي أوليفر. والحقيقة هي أن نظريته ليست جيدة، في حين أن هناك أسبابا عديدة للاعتقاد بأن تأثير الطائرات أسقط البرجين التوأمين. فقط لأنك تصدق التقرير الرسمي لما حدث في 11 سبتمبر لا يجعلك ساذجا إذا كانت هناك أسباب وجيهة لتصديق التقرير. وبالمثل، فإن التشكيك في مزاعم نظرية مؤامرة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لا يجعلك منغلقا في التفكير إذا كانت هناك أسباب وجيهة للتشكيك. أوليفر ساذج لأنه يؤمن بالأشياء التي لا يمتلك أدلة جيدة عليها، وهو منغلق بسبب رفضه للادعاءات التي توجد أدلة ممتازة عليها. من المهم عدم الوقوع في فخ الاعتقاد بأن ما يعد دليلا جيدا هو مسألة ذاتية. القول إن أوليفر يفتقر إلى دليل جيد هو لفت الانتباه إلى غياب شاهد عيان أو دعم شرعي لنظريته حول 11/9 ، وإلى حقيقة أن الخبراء قد دحضوا فكرته. قد لا يقبل أوليفر أيا من هذا كله، لكن مرة أخرى، هذا هو انعكاس لشخصيته الفكرية.
بمجرد أن تتخطى فكرة أن أوليفر قد تمكن بطريقة أو بأخرى من قلب الطاولة عليك، تظل هناك مشكلة ما يجب فعله حيال أشخاص مثله. إذا كان منغلقا بحق فإن ذهنه من المحتمل أن ينغلق على فكرة أنه عقل منغلق. الانغلاق الفكري هو أحد أصعب العقليات الفكرية التي يمكن التعامل معها لأنه من طبيعتها أن تكون مختفية عن أولئك الذين يمتلكونها. وحتى لو قمت بطريقة ما لإطلاع (جميع أوليفرات هذا العالم) على الرذائل الخاصة بهم، فلن يؤدي ذلك بالضرورة إلى جعل الأمور أفضل. يتطلب التعامل مع الرذائل الفكرية أكثر من مجرد معرفة الذات. أنت أيضا بحاجة إلى أن تمتلك دافعا ومحفزا للقيام بشيء حيالها، وأن تكون قادرا على فعل شيء لها.
هل يجب أن يدان اوليفر لضعفه؟ يحب الفلاسفة أن يفكروا في الفضائل على أنها تمتلك دوافع جيدة، وبالرذائل على أنها ذات دوافع سيئة، لكن دوافع أوليفر ليست بالضرورة سيئة. قد يكون لديه نفس الدافع للمعرفة مثل الشخص الفاضل من الناحية الفكرية، ومع ذلك فقد ضل عن الطريق بواسطة سذاجته وعقلية المؤامرة التي يتبناها. لذلك، فيما يتعلق بدوافعه ومسؤوليته عن رذائله الفكرية، قد لا يكون أوليفر ملوثا تماما. هذا لا يعني أنه لا يتوجب القيام بشيء تجاهه أو تجاهها. إذا كنا نهتم بالحقيقة فعلينا أن نهتم بتزويد الناس بالوسائل الفكرية للوصول إلى الحقيقة وتجنب الباطل.
التعليم هو أفضل طريقة للقيام بذلك. تعتبر الرذائل الفكرية مجرد نزعات للتفكير بطرق معينة، والنزعات يمكن مواجهتها. تتوازن رذائلنا الفكرية مع فضائلنا الفكرية من خلال السمات الفكرية مثل الانفتاح والفضول والدقة. الشخصية الفكرية هي مزيج من الفضائل والرذائل الفكرية، ويجب أن تشمل أهداف التعليم زراعة الفضائل الفكرية والحد من الرذائل الفكرية. يتحدث الفيلسوف جيسون بير عن “التعليم من أجل الفضائل الفكرية”، ومن حيث المبدأ هذه أفضل طريقة للتعامل مع أشخاص مثل أوليفر. تقرير 2010 لمجلس جامعة كلية لندن حول قضية عبد المطلب جاء بنتيجة مماثلة. أوصى التقرير بـ”تطوير التدريب الأكاديمي للطلاب لتشجيعهم، وتزويدهم بالأدوات اللازمة، ليس فقط للتفكير بشكل نقدي، بل لتحدي وجهات النظر غير المقبولة”. التحدي هو العمل على كيفية القيام بذلك.
ماذا لو أن أوليفر ذهب بعيدا ولا يستطيع تغيير طرقه حتى لو أراد ذلك؟ مثل العادات السيئة الأخرى، يمكن أن تكون العادات الفكرية السيئة متجذرة ومقاومة للتغيير. هذا يعني العيش مع عواقبها. محاولات التفكير المنطقي مع الأشخاص المتعصبين أو العقائديين أو مغلقي العقول من غير المحتمل أن تكون. العلاج الوحيد في مثل هذه الحالات هو محاولة تخفيف الضرر الذي تلحقه رذائلهم بأنفسهم وبالآخرين.
في هذه الأثناء، يجب على أولئك الذين لديهم المقدرة على تقديم المواعظ حول رذائل الآخرين الفكرية للآخرين- وأنا من ضمنهم – أن يتقبلوا أنهم على الأرجح بعيدون عن الكمال. في هذا السياق، كما في السياقات الأخرى، فإن القليل من التواضع يصنع الكثير. لا يجب أن تدخل في محاولة أوليفير لقلب الطاولة عليك، ومع ذلك يتوجب التفكير بأمر مهم: لا أحد منا يستطيع أن ينكر أن الرذائل الفكرية، على أنواعها، تلعب دورا في بعض تفكيرنا. أن تكون واعيا لهذا الاحتمال هو علامة على العقل السليم.
 
*قاسم قسّام أستاذ الفلسفة في جامعة وارويك في كوفنتري. أحدث كتبه هي “لغز بيركلي: ماذا تعلمنا التجربة؟”