تنياهو .. هروب إلى الأمام بين أطماع التاريخ وخرافات الحاضر
عمون - فلحة بريزات وسعد حتر -
بِدعة بنيامين نتنياهو السمجة حول "إسرائيل الكبرى" وخرافاته عن "الوحي" الروحاني، تُذكّر بمشهد سريالي راقص في فيلم "تاريخ العالم" (History of the World) للساخر ميل برُوكس. في تلك اللقطة، يعزف أدولف هتلر مع جنرالاته نغمة دسائسه لقضم أوروبا؛ مستخدماً الجِناس بين (Peace & Piece). فيؤكد التزامه باحتلال "قطعة من بولندا، قطعة من هولندا وقطعة من فرنسا...".
حديث نتنياهو الاستفزازي حول قضم مساحات من الأردن، لبنان ومصر يخفي محاولة هروبه من استحقاق الفساد داخليا ودماء الفلسطينيين في رقبته خارجياً، مع قرب إخماد "المحرقة" الصهيونية في غزة. كما يسعى على ما يبدو لاسترضاء حلفائه "مصاصي الدماء" في حكومته الحربجية التوسعية.
الأردن الرسمي والشعبي تصدّى بالرفض لهذا التصريح الأرعن، في انتظار حَراك فاعل لكتلة البلاد العربية مقابل دولة مارقة تسعى للقفز فوق حقوق الفلسطينيين عبر تطبيع "إبراهيمي" مع دول وازنة في الإقليم المهدد بالتفتّت.
قلب الحقائق
بهلوساته، يتجاهل نتنياهو جذور مؤامرة زرع كيانه المعتدي في فلسطين التاريخية بقرار أممي قبل ثمانية عقود. تآمر الدول الاستعمارية آنذاك، فرض على المنطقة المنكوبة كياناً تمدّد من نصف مساحة فلسطين - وفق قرار التقسيم (181) - رغم أن اليهود لم يكونوا يملكون سوى 6 % منها في ذلك الوقت.
قضم تدريجي
في سلسلة حروب لاحقة، وسع الكيان رقعته بما يفوق أضعاف المساحة المنصوص عليها بقرار التقسيم. واليوم، بات يسيطر على كامل فلسطين التاريخية تقريباً، إضافةً إلى الجولان السوري المحتل وأجزاء من الجنوب اللبناني مع أطماع معلنة شرقي النهر المقدّس وأراضٍ في سيناء.
موازين القوى
نتنياهو يسرح اليوم ويمرح برعاية أمريكية، صمت أوروبي وتخاذل عربي رغم أنه ينتهك يوميا القانون الدولي والدولي الإنساني.
مكاييل العالم المنحاز
عندما اجتاح صدام حسين الكويت عام 1990، جيّشت أمريكا الكون للإجهاز عليه وتدمير العراق. أما ربيبتها المدلّلة، تتوسع الآن بلا رقيب أو حسيب، وتضرب عرض الحائط بالشرعة الدولية، حتى تلك التي كانت أساس نشوئها.
سياق تاريخي
الأردن يواجه اليوم معركة وجود. ولن تشفع له معاهدة السلام أو تعهدات أمريكا بضمان أمنه واستقراره، ذلك أن مؤامراتها في المنطقة تتماهى مع كيان الاحتلال، وتضفي عليها شرعية زائفة.
البديل جبهة داخلية محصنّة واعتماد على الذات، في استحضارٍ لبطولات سكانه عبر التاريخ. فبسالة أجداد الأردنيين وصمودهم ظلاَ الصخرة التي تتحطّم عليها أطماع بني إسرائيل في غزواتهم المدرجة في التوراة وصولا إلى الألفية الثالثة.
هروب للأمام
نتنياهو يواجه محاكمات بتهم فساد ورشى وبالتالي يعيش أضعف لحظاته السياسية، في انتظار الحساب باليوم التالي لمذبحة غزة.
لذلك يسعى لبقائه على الكرسي عبر بيع الأوهام للإسرائيليين بوعود توسعية، محاولاً بيع وهم "التفوق" لتغطية إخفاقاته وانقسام المجتمع الداخلي.
ألم يُهزم ونستون تشرتشل في الانتخابات ويغادر رئاسة حكومة بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟
شروط عربية
الشعوب العربية تنتظر موقفا موحدا من قادتها بوقف خطط التطبيع الإبراهيمي وحشر كيان الاحتلال في الزاوية على وقع تعريته على الساحة الدولية. الخطوط الحمر المقترحة يجب أن تفرض انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإسقاط فكرة "إسرائيل الكبرى".
الإعلام سلاح مواجهة
المعركة مع إسرائيل ليست عسكرية فقط، بل هي معركة وعي وسردية. الإعلام الإسرائيلي، المدعوم مالياً وتقنياً من الغرب، يروّج لروايته بكل لغات العالم، بينما لا يملك الإعلام العربي مفاتيح الرواية الرسمية المحجوبة ويفتقر لأدوات الحرب المعلوماتية.
لذلك علينا تعبئة شاملة – رسميا وشعبيا – في مواجهة الحجّة بالحجّة والمعلومة بحقائق مضّادة، بأقلام إعلاميين محترفين لبناء خطاب متماسك مقنع.
مصدّات
إسرائيل قد تتمدد جغرافياً مرحلياً. وهي تستثمر في انحياز حكومات غربية متصهينة وخنوع كوني "للشرطي الأمريكي".
معركة وعي
لكنها كما نشأت بقرار أممي، تتجه للانكسار على وقع التطور في وعي الشعوب، واطلاعها على حجم همجية هذا الكيان، مقابل "استحقاق" مجاني استنزفه بعد عقود على "محرقة" وخزَ بها ضمير الغرب.