Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Jun-2018

ثلاثية الانطلاق بعد الهزيمة - د. محمد المجالي

 

 
 
الغد- هي مستنبطة من الهزيمة المادية في غزوة أحد؛ حيث ذكرت في المقال السابق دروسا عشرة من الغزوة، ولكنني هنا أركز على أمور ثلاثة للانطلاق بعد الهزيمة، فالظروف متشابهة -نوعا ما- في وضع الأمة العام، حيث الهزيمة العامة روحيا وماديا ونفسيا، فأريد أن أركّز على هذه النقاط، كما بينتها آيات القرآن عموما، وآيات أُحُد التي نزلت في سورة آل عمران خصوصا، وهي:
أولا: النقد الذاتي ولوم النفس على التقصير، وهذا يدعو إلى المراجعة والمكاشفة مع النفس وتصحيح المسار، ففي شأننا الإسلامي نلوم أنفسنا إن كان هناك أي تقصير، ولا نلوم غيرنا، فالعلة فينا نحن ابتداء، ولذلك لما استغرب المسلمون أنْ كيف يُهْزموا؟ أجابهم الله: "أولما أصابتكم مصيبة (في أُحُد) قد أصبتم مثليها (في بدر) قلتم أنّى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم"، ويقول أيضا: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير"، فالنصر بيد الله، يتأتى إن نصرنا منهج الله، قال تعالى: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، وقال: "ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز".
ولقد جاء في سياق آيات الغزوة ما يضمد الجراح، ويرد الحال إلى سنن الله التي لا تتخلف؛ حيث قال سبحانه: "إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء، والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"، فهي سنة الابتلاء ومداولة الأيام تبعا لحال المؤمنين، وهي دعوة إلى الصبر والاستقامة على الحال التي يحبها الله تعالى، حتى لا نُعرّض أنفسنا إلى الهزيمة.
ثانيا: الإعداد بأنواعه؛ الروحي والفكري والعسكري، فآيات أُحُد ركزت على علاقة العبد بربه، ليعرف مصدر القوة الحقيقي، وليستمد منه سبحانه العون، وليعلم سنن الله في خلقه، وليكون مستعدا للمدافعة بين الحق والباطل، فهذا الدين لا ينتصر بالمعجزات، بل شاء الله تعالى أن ينتصر بجهد أبنائه الخالص الذي يؤيده الله تعالى فيما بعد، قال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض"، فلا بد من الإعداد والحركة والانطلاق ابتداء، وبعد ذلك يؤيد الله عباده بالنصر المبين، فهم ما خرجوا وما بذلوا وما ضحّوا إلا ابتغاء مرضاته سبحانه، ليس لهم من حظوظ أنفسهم شيء، فقد تجردت نفوسهم لله، وخلصت من أي شيء إلا همّ هذا الدين وعزته. فالمطلوب من المسلمين بذل الوسع في الإعداد بأنواعه.
وحين نتفقد أنفسنا هذه الأيام ونحن في قفص الاتهام، ربما يؤذينا أولو القربى أكثر من غيرهم من غير المسلمين، فنحن بحاجة إلى تدرّج في هذا الإعداد، بداية بالوعي والفهم، حيث الإيمان واليقين بالله تعالى، ثم معرفة سننه تعالى وشروط النصر الواردة في أكثر من موضع في كتاب الله، وأكّدها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وباستقراء القرآن الكريم والتاريخ نجد أن الهزيمة لا تقع على المسلمين إلا إن كانوا (هم) غير مؤهَّلين، وغير آخذين بأسباب النصر، فليست المعادلة مرتبطة بالقوة وحدها لتكون الغلبة للأقوى، بل لمن هم على الحق، وصدق الله: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين"، فالمطلوب الإعداد قدر المستطاع: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم"، فالأمر يدور على حال المؤمنين إن كانوا مستحقين للنصر أم لا، وهذا يعطينا دافعا أن ننهض ونُعِدّ العدة، ونراجع الحسابات مع أنفسنا ومع الله سبحانه، وسيكفينا الله حينها بأس أعدائنا، وسيغير من حال إلى حال، حين يكون التوكل الحقيقي الصادق على الله سبحانه وتعالى، هو حسبنا ونعم الوكيل.
الإعداد بأنواعه؛ الفكري والروحي والبدني، مطلوب، لا بد من تصحيح مفاهيم علقت في أذهان الناس متعلقة بالقدر، وبسنن الله في خلقه، وفي مفاهيم الولاء والبراء، فالولاء لله ورسلوله والمؤمنين الصادقين، والبراء مما سواهم، إلا أن تكون المعاملة الحسنة والعدل والبر لمن لم يعادونا، وفي مفهوم الطاعة التي ينبغي أن تكون مقيدة بطاعة الله ورسوله. وفي الشأن الروحي حيث الصلة الحقيقية بالله تعالى وشرف الانتساب إليه سبحانه، وذلك بالطاعة عموما.
ثالثا: حسن الثقة بالله والتوكل عليه والاستبشار بنصره، وأهمية هذا الأمر أننا في حالة من تشتت الولاء والخضوع لغير الله، وفي بحر متلاطم من الغزو الفكري الذي يحمل معه الشبهات والشهوات، ويفتّ في عضد الالتزام من جهة، والفكر والإيمان من جهة أخرى، لتكون الهزيمة الروحية والنفسية التي هي مقدمة الهزيمة المادية، وهنا يقول الله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"، ويقول: "بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسَوّمين". هذا إضافة إلى آيات كثيرة مبثوثة في القرآن تبشّر بالنصر، وأكدها النبي صلى الله عليه وسلم، منها قول الله: "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، وقوله: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا.."، "ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون"،، وغير ذلك كثير.
تخلية ثم تحلية، ثم حسن توكل محفوف بأمل، فهو دين الله، نعمل من أجله تعالى، فإن أخلصنا وصدقنا وأعددنا فلم لا يكون النصر؟!