الغد- هآرتس
شلومو زند
حنين مجادلة نشرت في الأسبوع الماضي في "هآرتس" بتاريخ 12/12، مقالا مسموما هاجمت فيه "امنستي" في إسرائيل، التي "لا توجد في الجانب الصحيح من التاريخ". لأنها لا تعتبر نشاطات إسرائيل في غزة "إبادة جماعية". فرع "امنستي" في إسرائيل يتكون حسب رأيها من "جبناء"، يخشون من توجيه غضب الجمهور اليهم. في نهاية المطاف، كيف يمكن توقع موقف أكثر شجاعة من "فرع بعض الأعضاء فيه كانوا في الأصل جنودا، أو أنه يوجد لهم أبناء عائلة كهؤلاء".
مجادلة يبدو أنه لا يوجد لها أصدقاء أو أبناء عائلة كانوا جنودا. لذلك توجد لديها الشجاعة للإعلان بثقة بأنه في غزة تجري ليس فقط جرائم حرب فظيعة، مثلما تكرر امنستي وتحذر، بل أيضا إبادة جماعية.
منذ الحرب في يوغسلافيا السابقة تسربت إلى القاموس الشعبي مفاهيم حصلت على الترحيب الخاص في وسائل الإعلام مثل "التطهير العرقي" أو "الإبادة الجماعية. في الواقع أعراق كثيرة نشأت في يوغسلافيا سابقا، وهكذا أيضا حدث فيها الكثير من الإبادات الجماعية الصغيرة. في نفس الفترة تقريبا حدثت في رواندا إبادة جماعية ذكرت من نواحي كثيرة بإبادة الأرمن في الحرب العالمية الأولى، وذبح اليهود والغجر في الحرب العالمية الثانية. الهوتو قتلوا كل توتسي وقع في أيديهم، تقريبا مليون شخص قتلوا في فترة قصيرة نسبيا. ولكن كان يجب انتظار حرب غزة كي يحصل مفهوم الإبادة الجماعية على الشعبية والانتشار العالمي الذي لم يكن من قبل، في الحروب الاستعمارية في القرن العشرين.
في حرب الجزائر مثلا، في الخمسينيات، قتل الفرنسيون نصف مليون عربي (قاموا باحراق قرى بسكانها بشكل كامل، وقطع علنا رؤوس رجال جبهة تحرير الجزائر الذين تم اعتقالهم). ولكن ليس فقط أن لا أحد سمى هذه الافعال بالإبادة الجماعية، بل الآن ايضا المؤرخون لا يعتبرون هذه الحرب الفظيعة والطويلة "إبادة جماعية". في حرب فيتنام في الستينيات قتل الجيش الاميركي مليون شخص تقريبا، معظمهم من القرويين المتمردين. ليس في ذلك الوقت وليس الآن يعتبر الباحثون والاعلاميون هذه الحرب إبادة جماعية. ولكن في المقابل، في غزة تحدث "إبادة جماعية".
الحقيقة هي أن إسرائيل بالذات هي التي بدأت تستخدم مفاهيم لا اساس لها وخارج السياق، وسرعت ذلك. 7 اكتوبر لم يكن فقط مذبحة فظيعة ووحشية للمسلمين ضد الإسرائيليين، بل كان "مذبحة ضد اليهود"، نموذجية، و"عمل كارثي" واضح وما شابه. إسرائيل كالعادة خافت على الفور ورأت نفسها المطارد الأبدي في التاريخ. الفلسطينيون، في المقابل، تم عرضهم مرة تلو الأخرى كنازيين جدد. وحسب منطق "امنستي انترناشيونال" يوجد لإسرائيل كما يبدو نية لتصفية الشعب الفلسطيني، وقد بدأت في تطبيق ذلك في غزة. ولكن يجب التذكر بأنه بين عكا ورفح، وبين يافا وأريحا، يعيش الآن 7 ملايين إسرائيلي من اصل يهودي، و7 ملايين فلسطيني من أصل عربي. لا شك أن الحلم الغض لعدد غير قليل من زعماء الصهيونية كان دائما تهجير أكبر قدر من السكان الأصليين وطردهم من أرض دولة إسرائيل. النكبة في 1984 كانت حسب رأيهم المرحلة الأولى في عملية تاريخية بعيدة المدى، لكن حسب علمي لم تكن، وحتى الآن لا توجد خطة أو نية لارتكاب الإبادة الجماعية.
في غزة تجري حرب قمع صعبة ووحشية. تقريبا كل يوم يتم ارتكاب فيها جرائم حرب فظيعة. عدد المدنيين، بما في ذلك الاطفال والنساء والشيوخ، الذين يقتلون فيها هو عدد غير مسبوق ولا يمكن تحمله. هذه الحرب التي تندمج فيها مشاعر الانتقام والاستخفاف بالعروبة والعرب، ورفض التوصل معهم الى أي مصالحة تاريخية نزيهة، يمكن أن تجبي المزيد من الضحايا. من يرفضون مشاهدة افلام قناة "الجزيرة" التي تأتي من غزة وتنشر في اليوتيوب، أوصيهم أولا بمشاهدة أفلام نقدية عن فيتنام، مثل "يوم القيامة" أو "بلتون"، من أجل الحصول على تصور عن طبيعة الاستخفاف بحياة بني البشر وعدم الإنسانية في تعامل الجيش الإسرائيلي مع سكان شمال القطاع.