Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jul-2019

ترامب يخنق إيران ويزيد التوترات في كل أنحاء الشرق الأوسط

 الغد-فريد زكريا* – (الواشنطن بوست) 11/7/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جاء أفضل مثال على عدم الاتساق الذي يسِم استراتيجية إدارة ترامب تجاه إيران قبل نحو أسبوعين في بيان صحفي للبيت الأبيض. وقال البيان: “ليس هناك شك في أن إيران كانت شروط الصفقة النووية -حتى قبل وجود الصفقة”. ولم يوضح البيت الأبيض لاحقاً كيف يمكن لبلد ما أن ينتهك شروط صفقة قبل وجود تلك الصفقة من الأساس.
ليس هذا هو المثال الوحيد على عدم اتساق استراتيجية الإدارة. فعندما أعلن الرئيس ترامب الشهر الماضي أنه ألغى الضربات العسكرية ضد إيران بعد إسقاط الأخيرة طائرة أميركية من دون طيار، قال إن السبب في ذلك هو علمه بأن ما يقدر بنحو 150 إيرانياً سوف يلقونَ حتفهم في تلك الهجمات. وبدلاً من ذلك، عمد إلى المزيد من تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران. وقال جيفري ساكس، الاقتصادي الذي درس آثار مثل هذه التدابير، إن العقوبات التي يتم فرضها لها تأثير “هائل ومعرقل” على البلاد. وأضاف: “من المعروف أن مثل هذه العقوبات تسبب ارتفاعاً كبيراً في معدل الوفيات. وبالنظر إلى حجم سكان إيران، الذين يبلغ عددهم نحو 81 مليون نسمة، فمن المؤكد أن يكون أثر هذه العقوبات أكبر بكثير من مجرد 150 حالة وفاة”.
ولنضع في الاعتبار أيضاً أن الأشخاص الذين كان يمكن أن يموتوا بسبب الضربات العسكرية ربما كانوا من الجنود الإيرانيين. أما أولئك الذين يموتون الآن بسبب العقوبات فهم من الأطفال حديثي الولادة والأمهات وكبار السن والمرضى. وتشير دراسة أكاديمية إلى أن العقوبات تتسبب أيضاً بنقص كبير في الأدوية، وأن الذين يقاسون أكثر من غيرهم هم “المرضى الذين يعانون من السرطان والتصلب المتعدد واضطرابات الدم وحالات خطيرة أخرى”.
لقد صنعت إدارة ترامب أزمة إنسانية في إيران وأزمة جيوسياسية في الشرق الأوسط من دون أن تكون لديها استراتيجية لحل أي منهما. وكان الاتفاق النووي الإيراني -خطة العمل الشاملة المشتركة- قد أجبر طهران على الالتزام بأنها لن تقوم مطلقاً بتطوير أسلحة نووية، وعلى شحن 98 في المائة من اليورانيوم المخصب لديها إلى الخارج، وتدمير مفاعلها للبلوتونيوم، والموافقة على وضع القيود والتفتيش التدخلي المفاجئ لمدة 10 إلى 25 عاماً. كما أكد المفتشون الدوليون -وكذلك وكالات الاستخبارات التابعة للقوى الكبرى- أن إيران تلتزم تماماً بشروط الصفقة.
بالانسحاب من الاتفاقية، سمحت إدارة ترامب لإيران بالبدء في التحرك بعيداً عن هذه الحدود والقيود. وعلى سبيل المثال، كانت طهران قد وافقت على أنها لن تقوم بتطوير أكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب حتى العام 2030. وقد احتفظت بمخزونها منه ضمن هذه المعايير منذ العام 2015. لكن إيران تجاوزت هذا الحد قبل نحو أسبوعين، مبررةً تحركها بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي التي قامت بإلغاء الاتفاق.
كما أن تصرفات الولايات المتحدة تجاه إيران خلقت صدعاً داخل التحالف الغربي. وكانت أوروبا تدعم بقوة سياسة واشنطن تجاه إيران بحيث نجح الضغط المشترك في جلب طهران إلى طاولة المفاوضات. والآن، أصبح الأوروبيون في حالة ثورة علنية ضد أحادية واشنطن -حتى أنهم بذلوا جهوداً لإنشاء آلية دفع بديلة عن الدولار للاتجار مع إيران.
على هذه الخلفية، تشعر دول أخرى في الشرق الأوسط بضعف إيران وتتحرك للاستفادة من هذا الوضع. وقد أطلع المسؤولون الإسرائيليون دبلوماسيين غربيين، سراً، على أنهم قد يقررون ضرب المنشآت النووية الإيرانية الحالية في المستقبل القريب. كما احتفت المملكة العربية السعودية بحملة الضغط الأميركية القصوى التي تُشن على طهران، بينما تنتهج سياسة مناهضة لإيران على نطاق واسع وتطبقها على العديد من الجبهات.
مع تشديد الخناق حول عنق إيران، قامت طهران بردود فعل عن طريق اتخاذ إجراءات تدريجية يقوم بها جيشها الخاص -أو ميلشيات مرتبطة بها في أكثر الأحيان -من اليمن إلى الخليج الفارسي. وأنتجت كل واحدة من هذه الإجراءات ردة فعل من المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة.
بعبارات أخرى، زاد ترامب من حدة التوترات الإقليمية من دون أن تكون لديه خطة جيدة لحلها.
بشكل عام، تأمل إدارة ترامب في استسلام الإيرانيين، والذي سوف يعني عودتهم إلى طاولة المفاوضات وقبولهم بصفقة أكثر كلفة عليهم بكثير من تلك التي وقعوا عليها في العام 2015. ومن المحتمل أن يحدث ذلك، لكن من المرجح أن تزداد هذه الحرب الباردة الإقليمية توتراً وأن ترتفع فيها احتمالات سوء التقدير أو نشوب الحرب العرضية.
وحتى لو كان تمكن الضغط من انتزاع نوع من التنازلات الإيرانية المؤقتة، والتي تنشأ بدافع اليأس، فإنها لن تدوم بكل تأكيد. دائماً ما تجد القوى الجريحة المتألمة طريقة للعودة مع نية الانتقام. ويبدو أن إدارة ترامب تنسى أن الحضارة الإيرانية كانت لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط منذ آلاف السنين، وأن مساحة ذلك البلد هي أكثر من ضعف حجم العراق وموقعه أكثر استراتيجية، وأن لديه تقليدا راسخا في القومية وفن الحكم وتاريخا من مقاومة الهيمنة الأجنبية.
لا يمكن أن يتمثل الطريق إلى الاستقرار في الشرق الأوسط في خنق إيران. ولن يؤدي هذا إلا إلى زرع بذور مشاعر الاستياء والرغبة في الانتقام، خالقاً منطقة أكثر اضطراباً، والتي ستجد الولايات المتحدة نفسها غارقة فيها لعقود. لكن هذا، للأسف، هو الطريق الذي نجد أنفسنا سائرين فيه.
 
*كاتب عمود يركز على الشؤون الخارجية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump is strangling Iran. It’s raising tensions across the Middle East.