Monday 6th of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Apr-2024

أبجديات الصراع في «الحرب على غزة» لبديعة النعيمي

 الدستور-موسى إبراهيم أبو رياش

العدوان الأخير على قطاع غزة، ليس كأي عدوان سابق، فهو عدوان نازي متوحش، يهدف إلى الإبادة الكاملة للشعب الفلسطيني في غزة، أو التهجير خارج القطاع، ومن هنا، فقد استخدم العدو الصهيوني مختلف الأسلحة وبكثافة عالية على مدار أشهر طويلة؛ لتدمير وحرق وقتل كل شيء دون استثناء؛ فكل ما يمت للفلسطيني فهو عدو يجب القضاء عليه ولو كان حجرًا أو شجرًا؛ فدمر البيوت والمساجد والمشافي والكنائس والمكتبات والدوائر الرسمية، وجرَّف الشوارع، ولم يوفر من القتل الوحشي طفلًا أو امرأة أو شيخًا، واعتدى على المرضى والجرحى، ونكَّل بالأسرى، ولم تسلم منه جثث الشهداء وسرقتها والتمثيل بها، ونهب البيوت، وهتك الأعراض، وفعل ما لم يفعله أحد في التاريخ، بالإضافة إلى الحصار والإغلاق المطبق والتجويع، وكل ذلك أمام صمت وتواطئ دول العالم، إلا القليل منها التي ساعدت واحتجت ورفضت هذا العدوان والمحرقة التي تستهدف قطاع غزة بكل ما فيه.
ومن هنا، فإن أي جهد يبذل لنصرة ودعم غزة، بما فيه الكلمة، جهد مقدر، وهو شكل من أشكال الرفض والمقاومة والنصرة والدعم. ويجيء كتاب «الحرب على غزة» للروائية بديعة النعيمي صرخة في وجه العدوان النازي، يربط إرهاصات هذا الكيان المسخ، وبدايات نشأته الشاذة بالعدوان الأخير على غزة الذي بدأ يوم 7 أكتوبر 2023 ولم يزل مستمرًا حتى كتابة هذه السطور.
يتضمن الكتاب (42) مقالة بالإضافة إلى إهداء وتقديم، وقد صدر حديثًا في عمّان عن دار الفينيق للنشر والتوزيع، في 116 صفحة. ويتميز باستناده إلى حقائق تاريخية وأرقام مؤكدة ووقائع لا شك فيها، وخاصة فيما يتعلق بنشأة الكيان النازي وما سبقها من مخططات شيطانية اشتركت فيها دول غربية، تكفيرًا عن المحرقة النازية لليهود، بالإضافة إلى زرعه شوكة في قلب العالم العربي تكفل لهم السيطرة والتحكم والاستيلاء على النفط العربي، وإبقاء العرب في حالة استنزاف وتفرق وانشغال.
يذكر الكتاب أن فلسطين لم تكن خيارًا لدى الحركة الصهيونية في البداية، فقد كانت خياراتهم سيناء أو أوغندا أو مدغشقر وغيرها، لإقامة وطن قومي لليهود في أي بقعة من الأرض، ولكن خلت هذه المناطق المقترحة من عوامل جذب لليهود، فجاءت فلسطين كخيار أنسب لارتباطه بأرض الميعاد حسب التوراة، بالإضافة لوجود حاضنة يهودية فيها، ولذا؛ انصبت كل الجهود والخطط والتحركات نحو فلسطين، مستخدمة كل الوسائل والضغوطات والإغراءات التي نجحت في استصدار وعد بلفور، ومن ثم الدعم الإنجليزي والأوروبي والأمريكي للتمهيد لوطن لليهود في فلسطين، متذرعين أن هذه الدولة ستكون منارة للحضارة الغربية وسط شرق متخلف جاهل، وستكون وسيلة لتحضره ومدنيته.
استعانت الحركة الصهيونية بالدين لتثبيت أركانها وتحقيق أهدافها، ومع الزمن تجذر نفوذ المتدينين اليهود، وانتشروا في مرافق الدولة، وتغلغلوا في صفوف الجيش، وأصبحت لهم اليد الطولى في الحرب الدائرة في غزة، وفق رؤية توراتية ترى من واجبها إبادة كل فلسطيني أيًا كان جنسه أو عمره، بالإضافة إلى قتل حيواناتهم وإتلاف مزروعاتهم، وهدم بيوتهم؛ تنفيذًا لوصية «أشعياء» كما ورد في سفر صموئيل الأول: «اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاءً تامًا هم وكل ما لهم، لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يفنوا».
يشير الكتاب إلى أن هدف اليمين اليهودي إقامة دولة عرقية نقية، أي تقتصر على اليهود فقط، والتخلص من الآخرين بالقتل أو التهجير، ومن هنا اتسع العدوان الأخير فشمل كل فلسطين، بهدف الضغط وتحقيق الأهداف الحقيقية للكيان، ولكنه فشل حتى اللحظة بتحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على المقاومة واسترجاع أسراه، على الرغم من خسائره الفادحة بشريًا واقتصاديًا ومعنويًا وسمعة دولية، والعدو الآن يبحث عن أي نصر ليخرج من وحل غزة الذي تورط به، ولا يستطيع الخروج منه، وسيحاول أن يضمن قبل خروجه المذل تأمين حدوده ووجوده من أي خروقات أو هجمات مستقبليه تهدد جنوده ومستوطناته في غلاف غزة، علمًا أن عملية «طوفان الأقصى» خلطت كل مخططات العدو وأوراقه، وهرب سكان الغلاف والشمال إلى الداخل، بالإضافة إلى مغادرة مئات الألوف إلى أمريكا ودول أوروبية إيثارًا للسلامة والأمن والاستقرار.
وتناول الكتاب محاور العدوان على غزة، ومجاز العدو غير المسبوقة، والأسلحة التي يستخدمها، والقبة الحديدية، وعصاباته في الضفة الغربية، وعنصريته، وتعامله الهمجي مع الأسرى، وتقصده قتل الأطفال باعتبارهم إرهابيين محتملين في المستقبل، وقتل النساء للحد من الولادات، وكل ذلك بغطاء ودعم أمريكي أوروبي بلا حدود. ويشير الكتاب إلى الأثر النفسي على الأطفال جراء القصف المتواصل، وخاصة ليلًا، وتأثيره على شخصياتهم ونموهم ونظرتهم المستقبلية للعالم من حولهم.
واسترجع الكتاب بعضًا من مجازر العدو مثل دير ياسين وقبيا وغيرها، وإحراق الكتب والمكتبات، والجدار العازل، وزرع المستوطنات في كل أنحاء فلسطين، وسياسة التدمير والتنكيل ضد عرب النقب، وغيرها من الممارسات السادية لفرض الأمر الواقع، وإجبار الفلسطينيين على الاستسلام أو الهجرة. والمفارقة أن اليهود الذين يلعبون على وتر الضحية بسبب المحرقة النازية (الهولوكوست)؛ لكسب استعطاف العالم، يقترفون بحق الفلسطينيين ما يفوق الممارسات النازية، ولكن هذا ليس بمستغرب؛ فاليهود يعتبرون العرب لا شيء، ويحل لهم إبادتهم دون رادع أخلاقي أو ديني أو أي تأنيب ضمير.
وذكَّر الكتاب بأول عملية للمقاومة بطائرة شراعية في 25 نوفمبر 1987 في شمال فلسطين، لاقتحام أحد المعسكرات قرب مغتصبة (كريات شمونة)، وتتجدد العملية بعشرات الطائرات الشراعية في 7 أكتوبر 2023 لتبث الرعب في نفوس العدو وقطعانه، كما بثتها من قبل في منطقة أصبع الجليل، وهذه الطائرات ستمهد إن شاء الله لطائرات نوعية أخرى تعمل على إنهاء الكيان وأفوله إلى الأبد.
وبعد؛؛؛ فإن «الحرب على غزة» لبديعة النعيمي، كتاب يساهم في معركة الأمة ضد عدوها النازي، ويعيد التذكير بأبجديات الصراع وتاريخه وحقيقة العدو ونازيته، ومخططاته لتفريغ الأرض من أهلها، وطمس الهوية العربية والإسلامية، والاستيلاء على المسجد الأقصى لبناء الهيكل الثالث المزعوم، وكل ذلك بتحالف وتوافق معظم المكونات السياسية للعدو، والتي يقودها المتطرفون ويتحكمون في مفاصل الدولة، ويرفضون أي تعايش مع الفلسطينيين أو التعامل معهم، ويؤكد الكتاب على حقائق يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، وأن نعي حقيقة عدونا ومخططاته وسياساته، وأن الحل لن يكون إلا بالمقاومة مهما كانت التضحيات لدحره وزواله.