Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Oct-2019

محمّد جمال عمرو.. أميــر شعــراء الطفولـــة بـــلا منــــازع

 الدستور-عبد الله لالي/ الجزائر

هو أمير شعراء الطفولة بلا منازع، أديب يكاد يحدِّث الأطفال شعرا، ويقرئهم السّلام أنغاما موزونة وكلمات طائرة، كنسمة هفيفة تداعب الأنفاس، وتشرح الصّدور وتُشرق لها الأرواح والقلوب.
فلسطينيّ الأصل أردني الجنسيّة والمحتد، عربي الانتماء، إسلامي الهوى والرّوح، غنّى لكلّ بلاد العُرب، وعدّها وطنه الكبير، مع حنينه الأبدي إلى وطن الجذور، أرض الإسراء والمعراج.. ! التي قال فيها:
«يا وطنَ الأحرارْ/ أنا طفلُ الحَجَرِ/ بيد أُشعلُ نارْ/ ويد للدَّرسِ».
رأينا من قبله سليمان العيسى يتغنى بالطفولة وللطفولة، وشوقي أمير الشعراء السبّاق الذي حكى شعرا على لسان الحيوان ما به بزَّ وَفاق، وعندنا في الجزائر محمّد الأخضر السّائحي رحمه الله تعالى، لكن لم أر قبله شاعرا كتب بهذه الغزارة للطفولة، مع جودة وإتقان إلى جمال وإبهار، شاعر جمع بين المكتوب (النظري) والفعل المجسّد عمليّا (مجلات الأطفال، مسرح الطفل، فرقة زها الإذاعيّة، ومشاريع أفلام الكرتون التي تنتظر أصحاب الهمم العالية ليخرجوها أفلاما رائعة لأطفالنا الأحبّة، فتكون بديلا لما يغزونا به الغرب من غثّ وسمين)..
وكان مؤسسا مشرفا على عدد كبير من مجلات الأطفال في العالم العربي بداية من عام 1983 بمجلّة (أروى) ثمّ مجلّة (فراس) عام 1991 م وكذلك مجلّة (براعم عمان) التي صدرت عام 2000 م وكان رئيس تحريرها، ومجلّة (فرسان) في أبي ظبي، ومجلّة (القمر الصّغير) في سوريا، وأيضا مجلّة (أدهم) بالأردن، ومجلّة (وسام)  وأخيرا وليس آخرا، ترأس تحرير مجلّة (حكيم)، ثم تركها بعد ذلك بفترة يسيرة. وقد رأس تحرير بعض هذه المجلّات وكان له دور التأسيس أو الإشراف في بعضها الآخر، فالرّجل ليس هاوٍ، أو عابر سبيل في مجال الطفولة يجرّب حظّه، ولكنّه محترف، وصاحب رسالة، وقيم إنسانيّة عظيمة.
كما أنّه يلبّي نداء الطفولة في كلّ مكان، إذا نادى المنادي حمل عصا التّرحال ويمّمَ وجهه شطر مهرجاناتها وندواتها المختلفة، فتراه مرّة في ملتقى الشارقة القرائي وأخرى في ندوة حول: أدب الخيال العلمي وأثره في تكوين عقل الطفل العربي ـ المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عمان، الأردن، في الفترة 13-15 كانون أول 1992.عنوان الورقة المقدمة: «الإنتاج العربي في المجلات العربية للأطفال والعناية بالخيال العلمي». وغيرها من الندوات واللقاءات الفكريّة المتعلّقة بالطفولة وأدب الطّفل.
وتارة أخرى في (ندوة أطفالنا والتراث، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 24-26 أيار 1988. عنوان الورقة «كيفية الاستفادة من كتب التراث في الكتابة للأطفال».، ندوة إصدار مجلة للأطفال على مستوى الوطن العربي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 15-17 نيسان 1987)
في رصيده عشرات الدّواوين والقصص والمسرحيّات الموجّهة للطفل، وهذا الذي يقال عنه فعلا، وبحقّ متخصّص في أدب الطفل، قَصَرَ جهدَه على خدمة رياحين الحياة، والرّقي بها إلى مراتب النضج والكفاية بكلّ سبيل نافع أو وسيلة مفيدة، بنظرة تشمل الوطن العربي كلّه، بل العالم الإسلامي بغير استثناء، وتمس الإنسانيّة جمعاء ببلسم شافٍ وكلمات عذبة رقيقة.
تغنّى بكلّ ما يمس حياة الطفل ويشدّ انتباهه، ويثري حياته وينمّي مواهبه، في شعره يشدو بالأم والوطن والطبيعة، ويشير إلى خلق الله البديع، هذا الملكوت الكبير، الذي أحسن الله إبداعه وأتقن صنعه:
وَالْكَوْنُ في أَبْهى الْحُلَلْ
سُبْحانَ مَنْ قَدْ أْبْدَعَهْ!
*   *    *
الأَرْضُ ثَوْبٌ أَخْضَرُ
وَالْحَقْلُ رُوحٌ تَخَطُرُ
بَدْرُ السَّما يَسْتَغْفِرُ
سُبْحانَ مَنْ قَدْ أَبْدَعَهْ!
وحظيت فلسطين بموقع الصّدارة في شعره، فخصّها بقصائد كثيرة، أبطالها أطفال أو شهود أحداثها أطفال، ومنهم (باسم الجريء)، الذي كان ضحيّة مجزرة (مسجد الخليل) عام 1994م، وارتقى شهيدا في صلاة الفجر، ومنها قصيدة (محمّد الدّرة) الذي قال يخاطب أباه وفي جنبه رصاصة اخترقت جسده الغضّ:
محمد رامي: رصاصةٌ في صَدْري تفجّرت في صَدْري قد انتهيتُ يا أبي لا تنشغل بأمري احذر  رصاصَ  حقدهم واحذر سمومَ الغدرِ ومن دواوين شاعرنا التي خصّ بها الأطفال يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
(باسم الجريء/ درّة الأقصى/ شدو الألوان / في طريق الحرير/ طه الحبيب/ حاسوب وجوّال/ نبع الحنان/ بنت الخيمة/ نسعى إلى المستقبل/ يحكى أنّي/ أحلى الأنغام ...).
وهذه الدّواوين في الغالب قصيرة تتألف من صفحات قليلة، وذلك ما يتناسب مع الطفل ونَفَسِه القصير في قراءة الشعر، حتى وإن كان غناء وترنّما، فلا تناسبه المطوّلات، وسنلقي نظرة سريعة نجول فيها بين أفنان قصائد هذه الدّواوين:
1 - ديوان باسم الجريء:
هذا الدّيوان عبارة عن قصيدة واحدة طويلة، ولذلك يمكن أن نصنّفه ضمن (القصيدة الدّيوان)، فإذا كان هناك دواوين عبارة عن قصائد طويلة للكبار تسمّى القصيدة (الديوان)، فلا مانع من أن تكون للأطفال قصائدهم التي من هذا الصّنف.
وتروي القصيدة قصّة الطّفل (باسم) وهو فتى جريء، طلب من أبيه أن يرافقه في الذّهاب إلى أداء صلاة الصّبح، بمسجد (الحرم الإبراهيمي)، وأثناء الصلاة أطلق أحد الصهاينة النّار على المصلّين فقتل منهم 29 مصليّا، وكان ذلك في الخامس عشر من رمضان، عام 1994م.
وخلّد شاعرنا هذه المجزرة بقصيدة (باسم الجريء)، والتي جاء في مطلعها:
 باسم الجريء/ أحبّتي الصِّغارْ/ هل تعرفون ما جرى/ لباسمٍ وصارْ؟/ بالأمس يا أحبَّتي/ مضى إلى السّماءْ/ مُستشهداً، وجسمُهُ/ يزدانُ بالدِّماءْ/ قد تسألون: من هُوَ؟/ وتسألون: كيفَ كيفَ/ قد هوى؟
ويتخذ الشاعر محمّد جمال عمرو الأسلوب القصصي المحبّب للأطفال، ليروي لهم هذه القصّة الشعريّة، ويصوّر كيف استشهد باسم.
2- ديوان (درّة الأقصى):
«صغيرك  يا أبي كَبِرَا/ فَسَلْ عنهُ سَل الحَجَرا»
وهي قصيدة طويلة أيضا تروي قصّة الشهيد الطفل (محمّد الدّرة) الذي وصلت قصّته الحزينة؛ بل مأساته الرّهيبة إلى كلّ بيت في المعمورة، إذ نَقلت مشهدَ اغتياله بكلّ برودة دم كاميرات العالم، وكان ذلك عام 1994م.
وإذا كان للكبار ملاحمهم مثل ملحمة الإلياذة لهميروس وإلياذة مفدى زكريا في التّغني بتاريخ الجزائر ومآثرها، فإنّه يمكن للأطفال أن تكون لهم ملاحمهم، التي يحفظونها ويترنّمون بها، وهذه واحدة منها تروي مشهدا مروّعا من التاريخ الفلسطيني الحديث. 
هي قصيدة على شكل قصّة أو أنّ الشاعر اختار لها الأسلوب القصصي، وهو الأسلوب المفضّل لدى الأطفال كما ذكرنا في الجزء الأوّل من هذه القراءة، وجاءت هذه القصّة الشعريّة بلسان البطل نفسه (محمّد الدّرة)، إذ يروي بشاعة اغتياله بكلّ تفاصيلها، ويبدأها بقوله: أحمد رامي: أنا طفلٌ فِلَسطيني وحُبُّ الأرضِ يسري في شراييني فأعشقُها.. وتعشقُني وعندَ النومِ تدعوني.. تُعانقني أبوحُ لكُم بسرٍّ يا أحبّائي».
بهذا المطلع المشوّق يجتذب الشاعر الطّفل ويستدرجه بإغراء ليقرأ قصيدته، حكاية محمّد الدّرة، وكانت عناصر التشويق متعددة: (الطفل/ فلسطين/ وعند النّوم/ البوح بالسّر)، وهذه العناصر الأربع في نظري هي التركيبة السحريّة التي تغوي الطفل، وتجعله يقبل على قراءة القصّة (الشعريّة) أو سماعها بشغف ولهفة، فالطّفل يستهويه كلّ ما يتعلّق بعالم الطفولة، وعالم النوم وما يكون فيه من أحلام ورؤى مدهشة، كما يستفزّه كل ما فيه أسرار أو ألغاز، ولاسم فلسطين في سمعه رنين محبب، وحبّ رضعه مع حليب أمّه في كلّ بقعة أرض عربية أو مسلمة..
ثمّ تتوالى المقاطع الشعريّة (السرديّة/ التصويريّة)، لتروي أحداث المأساة.
يقول الطّفل واصفا حال أسرته أنّ بيتهم صغير جدا، وأنّهم ينامون على الأرض، وأنّ أباه لا يسألهم إن كانوا  يشتهون الحلوى، ولكن رغم ذلك كرامته تأبى عليه أن يسأل أحدا.. ! وتعصف برأس الطفل تساؤلات حائرة فيلقي إلى أبيه بالأسئلة دفعة واحدة (والأطفال من طبيعتهم كثرة السؤال ؛ سؤال تفاصيل الحياة):   
تُعذبني أبي عيناك أقرأ فيهما خَبَرا ونفسيَ تكتوي بالنّارْ لأعرف منهما الأسرارْ فما سِرُّكْ ؟ رجوتُك قُل بحقِّ اللهِ ما سِرُّكْ ؟ ولما يمتنع الأب عن الإجابة في إشفاق على ابنه ؛ والطفل بطل من أبطال الحجارة في فلسطين، الذين تحدّوا الدّبابة والمدفع بحجر لا يتجاوز حجم كفّ اليد، ولكنّه مثل شواظ من نار في أيدي القلوب الغضّة المؤمنة به، وهو يخرج مع أنداده لمواجهة العدوّ دون علم أبيه.. ! يخبر أباه كاشفا سرّه الكبير فيقول:
صغيرك  يا أبي كَبِرَا فَسَلْ عنهُ سَل الحَجَرا أجل.. سَلْ فتيةَ الحارةْ وسَلْ عنهُ سَلْ الجارهْ رأتني أمس والمقلاعُ  في كَفِّي ويفتح حوار طويل موجع بين الأب وابنه عن حالهم وأوضاعهم وصراعهم مع العدوّ الصهيوني الغاشم، وفي الغد يريد الأب اصطحاب ابنه معه إلى المدينة ليبيع سيّارته الحمراء، بسبب احتياجه للمال، ويعد ابنه بأن يشتري - حين تحسّن الحال - سيّارة غيرها خضراء أو صفراء، لكن الابن يقول له في إصرار:
محمد رامي: بل حَمْرا بلونِ الوردِ في البُستانْ ولونِ الجرحِ في الشُّهدا فهذا الأحمرُ القاني يُباهي كلّ  ألواني ويبقي أجملَ الألوانْ وهذا الإصرار على اللّون الأحمر له دلالته ورمزيته القويّة، فهو لون الورد في البستان (رمز الأرض ذات الخيرات) ولون دم الشهداء الذين يحفظون هذه الأرض ويفدونها بدمائهم.. !
ويذهب رامي مع أبيه، وهما يمشيان فيطلب الأب من ابنه أن يضع كفّه في كفّه،لأنّهما سيمرّان بشارع الشهداء الذي كثيرا ما سقط فيه الأبطال بأيدي الغدر الجبانة، وتأتي رصاصة جندي حاقد فتصيب الفتى البريء في مقتل، فيقول لأبيه مودّعا:
محمد رامي: رصاصةٌ في صَدْري تفجّرت في صَدْري قد انتهيتُ يا أبي لا تنشغل بأمري احذر  رصاصَ  حقدهم واحذر سمومَ الغدرِ وسقط الفتى مضرّجا بدمائه، بل ارتقى ساميا بروحه إلى بارئها تاركا الأنذال يعيشون حينا من الدّهر في عنجهيّة الطغيان، لكنّهم سرعان ما يلقَون مصيرهم المحتوم وجزاءهم الذي يستحقّون، وتبقى الإنسانيّة جمعاء تلعنهم إلى يوم القيامة.
القصيدة غنائيّة تميل إلى أن تكون أوبرات مأساوية بطولية في الوقت ذاته، يمكن أن تمثل وجسّد على المسرح، ويمكن كذلك أن تقدّم لتلاميذ المدارس فيعرفون تاريخ النّضال الفلسطيني ويطلعون على جوانب من مأساة الأمّة في العصر الحديث.
3 - ديوان (طه الحبيب):
هذا الدّيوان يتألف من تسع قصائد تفيض إيمانا وعذوبة وهي:
(كعبة النور 2 – ردّ التحيّة 3 - صلة الرّحم 4 - رحماك يا ربّي 5 – حيّ على الفلاح 6 – العطف والرّحمة 7 – الخير في يمناك 8 – مالي سواك 9 – الرّزق).
ومعظمها قصائد إيمانية ربّانية تعلّم الطفل ذلك الشعور الرّقيق الذي يقوي صلته بربّه ويشحن مشاعره الدّينية والأخلاقيّة في أسلوب غنائي مشوّق وبديع، وسمّى الشاعر محمّد جمال ديوانه بـــمسمّى (طه الحبيب) آخذا العنوان من إحدى قصائد الديوان التي يمدح فيها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهي بعنوان (رحماك يا ربّي) والتي يقول فيها:
خُذْني إلى طَهَ الْحَبيبْ * * فَالشَّوقُ نارٌ تَشْتَعِلْ
رَبَّاهُ يا خَيْرَ مُجيبْ    فيكَ الرَّجاءُ وَالأَمَلْ
*   *    *
في طَيْبَةَ طابَ الْمُقامْ    في حُبِّها قَلْبي اكْتَوى
إِنِّي أَصابَتْني السِّهامِ    سِهامُ حُبِّ الْمُصْطَفى
الدّيوان الرابع (بنت الخيمة):
هذا الدّيوان من أروع ما قرأت للشاعر جمال عمرو، يحتوي على عشر قصائد رائعة، هي1 - (دانَهْ) الفنَّانَهْ 2 - أحلامُ (صِيْتَهْ) 3 - حِصَانٌ فاخِر 4 - (سَيف) والغَيمَة 5 - (تَيْمُور) المُخرِجُ الصَّغير 6 - أبي يُشبهُني 7 - حُروفٌ ومُوسيقا 8 - أحلى « ماما  9 - شَعري والغيمة 10 - غدًا يأتي عيدُ الأمِّ).
وهذه القصائد موجّهة للمرحلة العمريّة ما بين السّادسة والثانية عشرة، وهذا التحديد للسّن، مهم جدا، يدلّ على تطوّر أدب الطفل في العالم العربي، وأنّ المتخصّصين في هذا الميدان، صاروا يكتبون عن درس وتمحيص ولهم أهداف دقيقة، ولم تعد هناك النصوص المطلقة التي تقدّم لجميع الفئات العمريّة، إلا فيما ندر.. !
وفي هذا الدّيوان ميزة فنيّة مختلفة عن بقية الدواوين الأخرى التي اطلعت عليها، إذ نجد في أغلب قصائده خاصّة المفارقة التي تستفزّ القارئ وتجعله يستغرب ويستطلع، ويجهد لمعرفة السّر.. ! وقصائد الدّيوان في حقيقة الأمر كلّها صغيرة الحجم تتراوح بين سبعة أبيات وأحد عشر بيتا، وهي بذلك تكون مناسبة للسنّ المحدّدة في مقدّمته (بين 6 و12 عاما)، وفي غالبها تعالج موضوعا حميميّا يحبّه الطّفل وستولي على كامل مشاعره، مثل قصيدة (دانهْ) الرسّامة الماهرة، وقصيدة (تيمور المخرج الصّغير)، وقصيدة (أحلى ماما).