Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Sep-2019

واقع الدولة الواحدة في إسرائيل يزرع الفوضى في السياسة الأميركية

 الغد-جوشوا لايفر* – (مجلة 972+) 26/8/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
إلى أن يتكيف المشرعون الأميركيون والمنظمات اليهودية الرئيسية مع واقع الدولة الواحدة الحالي في إسرائيل-فلسطين، سوف تزداد حدة العنف الذي شهدته السنوات القليلة الماضية في عهد نتنياهو وترامب فحسب.
 
* *
لعقود من الزمان، كان حل الدولتين هو العمود الأساسي للإجماع المؤيد لإسرائيل من الحزبين في واشنطن. ومنذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، التزمت كل إدارة أميركية، اسمياً على الأقل، بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ومع ذلك، أدى انتهاء نموذج الدولتين في عهد رئيس الوزراء نتنياهو والافتقار إلى بديل واضح ليحل محله، إلى انهيار ذلك العمود، وهو ما أفسد السياسة الخاصة بإسرائيل-فلسطين في الولايات المتحدة. وإلى أن يتكيف صناع القرار الأميركيون مع واقع الدولة الواحدة الحالي، فإن قسوة الفوضى والانقسام اللذين ميزا السنوات القليلة الماضية ستزداد حدة فحسب.
من دون الذريعة المتمثلة في وجود عملية السلام، تتابع إدارة ترامب الآن تطبيق أجندة “ما- بعد- الدولتين”، والتي تمتلئ بالإجراءات الصارمة ضد المؤسسات الفلسطينية الرئيسية، من إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن إلى خفض التمويل للأونروا. واليوم، يقوم بوضع سياسة الإدارة الخاصة بالشرق الأوسط ساسة يمينيون ومسؤولون أميركيون مؤيدون للاستيطان، ومن المؤكد أن “صفقة القرن” التي يُعدها ترامب، إذا ما تم الكشف عنها في أي وقت، ستكون بمثابة هدية إلى اليمين الإسرائيلي الذي يتبنى أجندة الاستيلاء على أقصى قدر من الأرض، والتي لن تشمل على الأرجح إقامة دولة فلسطينية. وتتطابق هذه التحولات تماماً مع سياسات الضم التي تتبعها إسرائيل على الأرض في الأراضي المحتلة.
لقد فشل السياسيون الأميركيون والمنظمات الرئيسية التي يقودها اليهود والتي تتعامل مع مشكلة إسرائيل-فلسطين حتى الآن في التكيف مع هذه الاستجابة. وهم ما يزالون ملتزمين جميعهم تقريباً بحل الدولتين، على الرغم من النوايا الواضحة لكل من إدارتي ترامب ونتنياهو لدفن هذا الحل مرة وإلى الأبد. وهكذا، يسود الالتباس والتحوط وأنصاف التدابير في الفجوة بين مواقفهم المعلنة والواقع على الأرض في فلسطين-إسرائيل.
تحاول المنظمات الصهيونية الليبرالية مثل “جيه ستريت” و”صندوق إسرائيل الجديد” ممارسة الرقصة الصعبة وغير الفعالة المتمثلة في المعارضة الظاهرية لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بينما تعارض في الوقت نفسه التدابير التي تسعى إلى تحريم مقاطعة إسرائيل. وقد حاول بعض الشجعان من أتباع “آيباك” في الكونغرس حشد التأييد لحل الدولتين فقط ليتعرضوا للتوبيخ من أعضاء الكنيست الإسرائيليين، بما في ذلك العديد من الأعضاء البارزين في حزب الليكود بزعامة نتنياهو، الذين وصفوا الدولة الفلسطينية بأنها “أكثر خطورة بكثير” من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات.
كانت النتيجة جعل إجماع الحزبين المؤيد لإسرائيل أشبه بالجثة الحية -وهو إجماع غير مستقر من مجلسي الكونغرس والذي لا يقتصر الأمر على أنه لا يتوافق مع الواقع السياسي في إسرائيل-فلسطين فحسب، وإنما لم يعد يعكس ما يعتقده الكثير من الناخبين الأميركيين العاديين. وفي الواقع، في حين أنه ما يزال من الممكن الاعتماد على أعضاء الكونغرس للتصويت بأغلبية ساحقة لصالح إسرائيل عبر الخطوط الحزبية، فقد انهار دعم إسرائيل في الأوساط الشعبية الأعرض، من الحزبين على حد سواء.
وجدت دراسة مركز “بيو” التي نُشرت على نطاق واسع في العام 2018 أن
27 % فقط من الديمقراطيين يتعاطفون مع إسرائيل أكثر من الفلسطينيين، في حين يتعاطف 79 % من الجمهوريين أكثر مع إسرائيل. بل إن نسبة دعم إسرائيل بين الشباب أقل من ذلك. وقد وجد استطلاع مشترك لمجلة “الإيكونومست/ يوجوف” في العام 2018 أن ربع المشاركين فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يعتبرون إسرائيل حليفاً.
بالإضافة إلى ذلك، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الفعلية لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، وحلول الدولة الواحدة والدولتين، فإن السياسيين الأميركيين أقل تناغماً مع الجمهور من القدر المعترف به عادة. ووجد استطلاع أجرته جامعة ماريلاند في العام 2018 أنه لا يوجد دعم أغلبية لحل الدولتين بين الأميركيين. كما أشار الاستطلاع إلى أنه “إذا توقف حل الدولتين عن إمكانية التحقق، فإن 64 % من الأميركيين سيختارون ديمقراطية إسرائيل -حتى لو كان ذلك يعني أن تتوقف إسرائيل عن أن تكون دولة يهودية سياسياً- على يهودية إسرائيل، إذا كانت الأخيرة تعني أن الفلسطينيين لن يكونوا مواطنين مساوين تماماً”. وعلى الرغم من أن القليل من الأميركيين قد سمعوا بحركة المقاطعة بالتحديد، فإن 40 % من الأميركيين -وأغلبية من الديمقراطيين- يؤيدون فرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في توسيع المستوطنات.
بلد عادي
عندما يوجد مثل هذا الخلل بين الممثلين المنتخبين والأشخاص الذين يمثلونهم، فإن ثمة عملية إعادة تنظيم واصطفاف تكون جارية -وغالباً ما تكون عمليات إعادة ترتيب الاصطفافات شأناً فوضوياً وشاقاً. وتتطلب إعادة رسم التضاريس السياسية حدوث استقطاب، وهو بالضبط ما يحدث الآن بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبين الديمقراطيين أنفسهم.
لقد شرعنا مُسبقاً في رؤية كيف قام ائتلاف من الصهاينة المسيحيين الإنجيليين واليمين الأرثوذكس بتحويل الحزب الجمهوري إلى حزب يؤيد دولة يهودية واحدة غير ديمقراطية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وعلى النقيض من ذلك، كان الديمقراطيون، وعلى وجه الخصوص قيادة الحزب، يقاومون التغيير بطريقة استثنائية، متمسكين بنموذج الدولتين المحتضر.
ومع ذلك، لدى الديمقراطيين مساحة كبيرة لإعادة ترتيب وجهات نظرهم لتنسجم مع الواقع على الأرض، وهناك القليل الذي يمكن كسبه من التشبث بموقف عفا عليه الزمن وفقد الدعم الشعبي. وقد تمكنت المؤيدتان الوحيدتان لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات في الكونغرس، النائبتان إلهان عمر ورشيدة طليب، من جذب الكثير من الاهتمام، ليس لأن ترامب استهدفهما فقط، وإنما لأن جزءاً كبيراً من الديمقراطيين يتعاطفون مع وجهات نظرهما، إن لم يكونوا يشاركونها.
من المحتمل أن يتطلب تحوّل السياسيين الديمقراطيين إلى التوافق مع قاعدتهم مواجهة تحديات أولية مريرة وخوض معارك داخلية من الأنواع التي رأيناها مسبقاً. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من قادة الحزب -نانسي بيلوسي، وستيني هوير، وغيرهما- يواجهون خصوماً أساسيين تضمنت برامجهم مواقف أكثر يسارية بكثير تجاه مسألة إسرائيل-فلسطين.
بطبيعة الحال، لا تُنجَز عمليات إعادة التنظيم بين عشية وضحاها. في حالة جنوب إفريقيا، انقضت ثلاثة عقود بين النداءات الرئيسية الأولى لمقاطعة نظام الفصل العنصري وإقرار الكونغرس لقانون مناهضة الفصل العنصري الشامل للعام 1986 -رغم فيتو الرئيس الرئيس رونالد ريغان.
وفي حالة إسرائيل-فلسطين، قد تستغرق عملية إعادة التنظيم نفس طول تلك الفترة، إن لم يكن أكثر. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد قامت منذ فترة طويلة بتعديل إستراتيجيتها للعلاقات العامة ليتلاءم مع واقع ما بعد الدولتين؛ حيث أنفقت مبالغ هائلة من المال لمعارضة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، على الرغم من الهامشية النسبية لهذه الحركة، ومكافحة ما تسمى غالباً نشاطات “نزع الشرعية” عن إسرائيل. واليوم، تبدو الجبهة الأكثر نشاطاً في جهاز الدعاية الإسرائيلي هي محاولة إعادة تعريف المعاداة للصهيونية ليتم اعتبارها معاداة للسامية، بهدف جعل أي معارضة للاحتلال، أو الصهيونية -أو حتى السياسات الإسرائيلية ذاتها- تعد متجاوزة لنطاق القبول في التيار السائد.
ما يعنيه هذا هو أن الخلاف الذي تميزت به الأشهر القليلة الماضية من السياسة الأميركية، من رفض إسرائيل دخول النائبيتن عمر وطليب إلى اتهام ترامب الغالبية العظمى من اليهود الأميركيين بـ”بعدم الولاء”، لن يستمر في المستقبل المنظور فقط -وإنما من المحتمل أن يزداد الأمر سوءاً.
سوف يواصل أنصار الدولة الواحدة في الحزب الجمهوري، بالتنسيق مع الحكومة اليمينية في إسرائيل، توجيه اتهامات زائفة بمعاداة السامية ضد منتقدي السياسة الإسرائيلية، بينما يعززون تحالفاتهم مع المسيحيين الصهاينة المعادين حقاً للسامية في الولايات المتحدة، ومع اليمين المتطرف في الخارج. وسوف يكون على اليهود الأميركيين، المهددين بصعود عنف القوميين البيض في الوطن، أن يواجهوا الواقع المؤلم المتمثل في أن إسرائيل، بعيداً عن كونها ملاذاً أو “نوراً للأمم”، هي في الحقيقة شيء أكثر عادية بكثير -مجرد دولة عنيفة غير ديمقراطية.
*محرر في موقع “ديسنت”. كان في السابق محرراً مشاركاً في موقع مجلة 972+. ظهرت كتاباته أيضا في “الغارديان”، “ذا نيشن”، “ن+1” ومطبوعات ومواقع أخرى.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel’s one-state reality is sowing chaos in American politics