ألإخوان المسلمون .. عشرة أسباب للأزمة ليس منها أيديولوجيا|
عمون-
إبراهيم غرايبة-
يبدو واضحا اليوم أن الحكومات العربية مستعدة لتقبل "القاعدة وأخواتها وبناتها" وغير مستعدة لتقبل الإخوان المسلمين، وحتى القاعدة "أحمد الشرع أو هيئة تحرير الشام" التي تحولت إلى نظام سياسي تريد اختفاء الإخوان المسلمين من الوجود.
ما الأزمة الحقيقية بين الحكومات العربية والإخوان المسلمين؟
لماذا تبدو جماعة الإخوان المسلمين بالنسبة للحكومات العربية أخطر من الجماعات التي حملت السلاح وتوسلت بالعنف وقدمت خطابا دينيا متطرفا؟
يجب الاستدراك هنا أو التذكير أن الإخوان المسلمين اندمجوا في بنية الحكومات العربية والإسلامية في دول عدة؛ مثل الجزائر، حيث يشكل الإخوان المسلمين (حركة مجتمع السلم) مكونا رئيسيا في مجلس الرئاسة منذ عام 1992 وحتى اليوم، وكذلك الحال بمستويات مختلفة ومتنوعة في المغرب وماليزيا والسودان والعراق، وأنهم يشكلون في الهند وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا (بأسماء أخرى لكنها مطابقة للإخوان المسلمين) حالة سياسية اجتماعية متقبلة أو متعايش معها، وكذلك في تركيا، لكن هناك مفارقة تركية؛ فالإخوان المسلمين العرب يؤيدون حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، ويعادون جماعات واتجاهات هي أقرب إليهم فكريا ودعويا، مثل جماعة الخدمة (فتح الله غولين) وهم أيضا في الغرب (أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا) يشكلون حالة دينية واجتماعية متقبلة لدى الدول والأحزاب والنخب السياسية. ولذلك فإن الأزمة المستعصية بين الإخوان المسلمين والحكومات هي حالة تخص المشرق العربي (تقريبا) إضافة إلى تونس. ومن الملفت للاهتمام أن الإخوان المسلمين في اليمن (التجمع اليمني للإصلاح) يحظى بقبول ودعم سياسي كبير من الدول العربية المعادية للحوثيين والإخوان المسلمين!
تريد حكومة سوريا الجديدة من الإخوان المسلمين أن يحلوا أنفسهم؛ بمعنى أنها لا تكتفي بالحظر والمنع القانوني والإداري الذي تمارسه بحقهم، لكنهم يجب أن يستجيبوا للقرار ويقبلوا ويسلموا راضين متقبلين بالحظر، ويمتثلوا للقرار بوجدانهم وضمائرهم، لأنه وببساطة لا يمكن أن ينحسر الإخوان المسلمون كجماعة سياسية اجتماعية بقرار حكومي أو تشريعي.
يعلم أحمد الشرع كما كان يعلم من قبله بشار الأسد أنه لو أجريت انتخابات عامة في سوريا فإن الإخوان المسلمين سوف يحصدون 70 في المائة من أصوات الناخبين.
الحال أن أحمد الشرع أفصح على لسان مستشاره الإعلامي أحمد زيدان (وهو من الإخوان المسلمين) عن رغبة عميقة لدى الحكومات العربية؛ أن تكون السياسات والقرارات الرسمية تعاليم يتقبلها جميع المواطنين على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم ولا يكون في صدورهم حرج منها ويسلموا تسليما. فلا قرار يمكن تنفيذه في الغيب الذي لا تطاله الحكومات ولا تسيطر عليه، لا سلطة على ضمير الإنسان سوى نفسه. لكن أحمد الشرع وأحمد زيدان بسبب تجربتهما في الجماعات الإسلامية يدركان أن قوة الجماعات مستمدة من قدرتها على التأثير في ضمائر الأعضاء والأتباع، وأنها تحظى بقبول والتزام حتى لو كانت مخالفة لرأي الأعضاء ورغباتهم. على سبيل المثال التزم جميع أعضاء مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي بقرار مرر إليهم من قيادة جماعة الإخوان المسلمين بانتخاب شخص أمينا عاما للحزب، وانتخب هذا الشخص أمينا عاما بالتزكية برغم أن الأغلبية الكبرى من أعضاء مجلس الشورى لا يريدونه، بل ولا يعرفونه، وليس له تجربة سابقة سوى أنه كان يعمل في مكتب خالد مشعل! وهذا مثال من آلاف بل وعشرات آلاف الأمثلة في عالم الجماعات الإسلامية، ولا بد أن الحكومات العربية التي تستند إلى الآية القرآنية "واطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" لكن لسوء حظها فإن أحدا لا يلتزم بهذه الآية تجاه الحكومات؛ في حين أن الكثيرين يلتزمون بها تجاه قادة الجماعات. لا أحد من الإخوان المسلمين أو القاعدة أو هيئة تحرير الشام أو كل الجماعات الإسلامية يفهم معنى ولي الأمر سوى قادة جماعته.
يعتقد الشرع وزيدان أن الحكومة السورية تستند إلى شرعية وجوب الطاعة في السر والعلن والمنشط والمكره. ومن المعلوم والمعلن أن عضوية الجماعات تكون ببيعة، حيث يقسم الأخ ملتزما ببيعة تنص على السمع والطاعة في المنشط والمكره وعلى أثرة وألا ينازع الأمر أهله. يا سلام على "وألا انازع الأمر أهله"! إنها تساوي لدى الحكومات والوزراء والمدراء والقائمين باعمال المدراء ورؤساء الأقسام ثروة معنوية تغني عن مليارات يجري إنفاقها في اجتذاب الولاء والانتماء والتتنظيم والانضباط والالتزام والامتثال والمراقبة والمعاقبة. لكنه ولسوء الحظ الدول والحكومات زمن ولى وانقضى، وأظن أن الجماعات تفقده أيضا، أو سوف تفقده في المستقبل القريب، إنه في واقع الحال ميراث إنساني اجتماعي قديم بدأ مع تشكل النظام الاجتماعي المصاحب للاستقرار والزراعة، وتصدع في الحداثة المصاحبة لمرحلة "الثورة الصناعية" لكننا اليوم ندخل بسرعة تساوي ربع سرعة الضوء في عصر "ما بعد الحداثة" حيث يضمن الأفراد الفاعلون العقد الاجتماعي وليس فقط الجماعات والطبقات والمؤسسات العامة والمصالح المتبادلة.
الحال أننا ننتقل وبسرعة من عصر المنظمات؛ الجماعات والأحزاب والنقابات إلى عصر "الذات الفاعلة"
لكن جماعة الإخوان المسلمين مازالت في حالة من القوة والمزايا في مرحلة لم يعد للجماعات والأحزاب قوة أو ميزة، وذلك يجعلها أزمة للدول والنخب السياسية عصية على الحلّ، ولا حل من وجهة نظرها التي أفصحت عنها بوضوح الحكومة السورية المتشكلة من رحم الجماعة والتي تعرف كيف تعمل وما سر قوتها وضعفها هو أن تحل نفسها سرا وعلنا وفي ضمائر أعضائها ومؤيديها ووجدانهم.
ويمكن تلخيص هذه المزيا في النقاط العشرة التالية:
1. جماعة الإخوان المسلمون هي الجماعة المرشحة لتكتسب أغلب أصوات الناخبين حيث تجري انتخابات عامة.
2. تمتلك الجماعة قدرات ومهارات ومعارف تنظيمية ومالية تساعدها على العمل والتحرك والتأثير
3. تحظى الجماعة بتأثير معنوي وقبول عام لدى أعضائها ومؤيديها يجعلها متماسكة وقادرة على العمل والبقاء والتكيف.
4. تؤيد الجماعة طبقات وسطى وفئات اجتماعية فاعلة وممتدة ومؤثرة في المجتمع والمؤسسات، وتقوم عضويتها على مجموعات من الجامعيين والمؤهلين تأهيلا علميا ومعرفيا متقدما.
5. الخطاب الديني والفكري للجماعة هو نفسه الخطاب الذي تلتزمه الدولة في مؤسساتها وفي المدارس والجامعات والمساجد، لا يوجد فرق في الخطاب والفهم الديني الذي تقدمه المؤسسات التعليمية والدينية والتشريعية وبين الخطاب والفهم الذي تقدمه الجماعة وتدعو الناس إليه.
6. لا يلاقي مشروع تصنيف الجماعة على أنها عنيفة أو إرهابية إجماعا أو قبولا دوليا واسعا.
7. يغلب على سلوك الجماعة الالتزام القانوني والسياسي، ولا تورط نفسها في مخالفات قانونية أو سياسية جسيمة، فبرغم أن الجماعة لا تختلف في مبادئها وأفكارها عن حزب التحرير الإسلامي؛ فإنها بخلاف التحرير تفادت المواجهة الجذرية والعداء مع الدول والحكومات، وظلت تعمل وفق القاعدة الذهبية والسحرية في العمل والتأثير "تفكير راديكالي مثالي وسلوك براغماتي" على سبيل المثال تعمل في إسرائيل بحرية، ثم انقسمت إلى قسمين؛ أحدهما يشارك في الكنيست، بل ومنح نوابها الخمسة الثقة لحكومة نتنياهو! إنها في واقع الحال ترضي سلوكا جمعيا عربيا كاسحا لا يقتصر على الجماعة؛ ممارسة الخطيئة والبكاء عليها، أليس العرب غالبهم يبكون على خطاياهم ويمارسونها، وينتقدون سياسات وامورا يفعلونها، ويدعون إلى مواقف ومبادئ يريدون من غيرهم أن يطبقها وهم يتفرجون ويؤيدون ويبكون ويتضامنون ويفرحون ويهللون، ويشكون من الفساد ويتقبلونه ويمارسونه في واقع الحال. ويتذمرون من الفوضى والسلوك غير الاجتماعي، كأن هذه الفوضى والانتهاكات التي تملأ حياتهم وشوراعهم ومؤسساتهم يمارسها قادمون من بلاد أو كواكب أخرى.
8. يقبل الإخوان المسلمون بتسويات ومواقف تبدو غير متوقعة أو مفاجئة للفكرة السائدة عنهم، لكن من الواضح أنهم مستعدون للقبول بلا حدود أو محددات أيديولوجية بمواقف وسياسات وتشريعات وحالات تتراوح بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
9. إن أزمة الإخون المسلمين وجماعات الإسلام السياسي هي نفسها أزمة الدولة المركزية. الحال أنهم ظل الدولة العربية الحديثة، بل هي التي أنتجتهم، وتواجه الدولة المركزية اليوم استحقاقات مرحلة اللامركزية. الحال أن حرب الحكومات العربية أو الدولة العربية المركزية الحديثة على الإخوان المسلمين تعكس أزمتها وإدراكها أنها تدخل في مرحلة جديدة لا تريدها أو لم تستعد لها بعد، أو وهذا هو الأرجح لن تستطيع دخولها إلا بالتضحية بالنخب المتشكلة حول واقع تشكل ويواجه الانحسار، ولا مصلحة لهذه النخب ولا أمل سوى بذل كل جهد ممكن للحفاظ على الواقع القائم والدفاع عنه، لكنها عمليات وسياسات مثل مناطحة الصخر، وإلى حين يدرك الوعل أنه أوهن قرنه ولم يوهن الصخرة فإنه يشغل الوقت في هذه المعركة مع الإخوان المسلمين. وفي عبارة صريحة موجعة تشعر الدولة المركزية اليوم أنها في حال اغتراب مع المرحلة والمجتمعات والطبقات والأجيال، وتهرب من مواجهتها إلى مواجهة الإخوان المسلمين.
10. تحظى الجماعة بقبول وتفهم غربي أوروبي وأمريكي، ويعتقد الغرب أن الإخوان المسلمين يمثلون حالة منسجمة مع الديمقراطية والقيم الغربية والحداثة. بل إن الولايات المتحدة أولا ثم أوروبا والغرب تشكل درع حماية ووقاية للجماعة، وهو ما يزيد خوف وحسد الحكومات العربية.
مؤكد أن الأصدقاء والقراء يلاحظون في هذه المقالة كما في كل مقالة كتبتها عن الإخوان المسلمين أن العداء والخلاف بين الدول العربية وجماعة الإخوان المسلمين ليس دينيا ولا أيديولوجيا، إنه باختصار ليس صراعا دينيا، لكنه صراع على الدين. ويعترف الكاتب أن هذا مخالف للموجة السائدة والغالبة من التحليلات والكتابات التي تجري في الضفتين؛ ضفة الحكومات وضفة الجماعات، وترد الخلاف إلى فهم أو تحليل ديني، وتجتهد في فهم واستنطاق النصوص الدينية، لكن ذلك ليس له علاقة بالحالة القائمة إلا بمقدار علاقة بيع المناديل الورقية على الإشارات الضوئية بأزمة المديونية، إلا إذا كان السياسيون والمؤثرون والكتاب الحكوميون والإخوانيون يؤمنون بنظرية الفراشة وتأثيرها على الأزمة بين الجماعة والحكومات.