الغد
هآرتس
جاكي خوري 16/6/2025
الحرب التي قامت إسرائيل بشنها ضد إيران في نهاية الأسبوع الماضي تشكل حسب رأي الجميع انعطافة تاريخية. إسرائيل، بتشجيع نشط من الولايات المتحدة، تستمر في تشكيل الشرق الأوسط حسب احتياجاتها الأمنية ومصالحها الجيوسياسية. ولكن خلال العملية الدراماتيكية لتشكيل وجه المنطقة يوجد مجهول واحد وهو الشعب الفلسطيني.
هجوم إسرائيل في إيران، مع كل نتائجه في الساحة الداخلية والإقليمية والدولية، دفع إلى الهامش، وحتى اخرج من جدول الاعمال، الإعلامي – السياسي، الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وبدرجة كبيرة أيضا كارثة المخطوفين الإنسانية. حتى لو كانوا في إسرائيل ما يزالون يرددون شعار "نحن لم ننس المخطوفين".
عمليا، الحديث لا يدور فقط عن إهمال الوضع في غزة، بل عن إقصاء كل القضية الفلسطينية وإهمالها وكأنها غابت عن الحوار. وكأنها اكتفت عن أن تكون قضية جوهرية، خطيرة ومشتعلة. في الغرب، مثلما في مؤتمر باريس الأخير، يواصلون بث الدعم اللفظي للحل السياسي. خطابات موصى بها ودعم لحل الدولتين، لكن لا توجد أي نتيجة على الأرض. الفلسطينيون يحصلون على تفهم وتعاطف وحتى اعتراف. ولكن على الأرض اهتمام الفلسطيني في غزة يتلخص في البقاء على قيد الحياة، المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية يقلق بشان إمكانية الوجود في الوقت الذي فيه تقوم إسرائيل باقتطاع الحدود وتخلق خريطة جديدة لمناطق النفوذ وتفضل عقيدة التقاء المصالح مع الدول العربية المعتدلة من خلال تجاوز "القضية الفلسطينية".
في مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ما يزالون يرددون نفس الجملة منذ عقود: "لن يكون استقرار في الشرق الأوسط بدون حل القضية الفلسطينية". في إسرائيل يوجد من سحرتهم خلال سنين صيغة مختلفة، تقول بانه لن يكون حل للمشروع النووي الإيراني بدون حل سياسي مع الفلسطينيين (يتسهار مقابل بوشهر). الآن يتبين أن إسرائيل الجديدة لبنيامين نتنياهو تتبنى صيغة مختلفة: يتسهار تتوسع وبوشهر يتم تدميرها. الفلسطينيون عالقون بدون امل أو افق. لينتظروا. لا أحد مستعجل. يوجد المزيد من الوقت فلماذا العجلة؟.
بالتحديد هنا مهم قول الحقيقة: حتى لو حققت إسرائيل نتيجة عسكرية مبهرة امام إيران والعالم سعى إلى تسوية حقيقية واختفت حبة البطاطا الساخنة التي تسمى "المشروع النووي الإيراني"، واذا تم التوصل إلى اتفاق مع رجل القاعدة وداعش السابق أبو محمد الجيلاني، أو باسمه الجديد، سيادة الرئيس السوري احمد الشرع، وحتى لو ازدهرت الحدود الشمالية بدون تهديد حزب الله، وحتى لو أن السعودية دفعت قدما بالتطبيع، فان كل ذلك لن يخفي الفيل الموجود في الغرفة ولن يغير الوضع الديمغرافي بين البحر والنهر. أيضا هذا المستقبل يضع امام دولة إسرائيل خيارين. الأول هو استمرار الاحتلال وتعميق الابرتهايد والقمع والاقصاء والتمييز، التي ستربي جيل آخر من الفلسطينيين اليائسين والأكثر خطرا حتى الانفجار القادم. الثاني هو النظر إلى المرآة ومواجهة بصدق سؤال بعد إيران البعيدة ماذا مع الجيران الذين امامنا؟.
الحقيقة هي أنه ربما تنتصر إسرائيل مرة أخرى في المعارك، وتسحق اكبر الأعداء وتقوم بقطع رأس الاخطبوط الإيراني واذرعه، كما عبر عن ذلك اكثر من مرة رئيس الحكومة، حتى بثمن مئات القتلى والمصابين الإسرائيليين، من اليهود والعرب. ولكن حتى الآن هي تخسر في الحرب من اجل صورتها ومستقبلها. الحرب الحالية تسعى إلى الوصول إلى شرق أوسط يعاد تشكيله، بدون الفلسطينيين. ولكن أيضا بدون حل. هذا أيضا ليس استقرارا، بل فقط هو هدوء وهمي، الذي سينفجر مرة أخرى في المستقبل، مع إيران أو بدونها.