بين التضامن والتحديات.. كيف أثرت حرب غزة على حياة الأردنيين؟
الغد - إسلام البدارنة -
بعد 734 يومًا من الحرب العدوانية للاحتلال الصهيوني الأخيرة على قطاع غزة، ومع انتشار مشاهد الإبادة الجماعية التي تعرض لها القطاع على يد جنود الاحتلال، ظهر جليا بأن آثار الانفجارات والمجازر التي ارتكبها العدوان الصهيوني على الغزيين ما تزال حاضرة، حيث ذلك المشهد الصامت الذي يعكس الحاجة إلى التعافي في غزة، وليس مجرد توقف للنيران، إنه شهادة على كارثية الألم وإرادة الصمود، وعلى جراح عميقة حفرت نفسها في وجدان شعوب المنطقة.
لم يكن الأردن بعيدًا عن هذه المعاناة، فقد ارتبط الشعب الأردني بالقضية الفلسطينية ارتباطًا جذريا، وانعكست تداعيات هذه الحرب على حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى النفسية، فشكلت اختبارًا لوحدة الموقف الوطني وعمق التضامن الشعبي.
وفي ظل موجة التعقيدات والتحديات الإقليمية التي فرضتها الحرب على غزة، أثبت الأردن قدرته على إدارة الأزمة بحنكة ومرونة، فقد استطاعت الدولة الحفاظ على وحدة الرأي الوطني.
هذا الأداء الذي ترافق مع متابعة دقيقة من الأردنيين للتطورات، يعكس قدرة المجتمع الأردني على مواجهة الأحداث الكبرى بوعي سياسي متقدم، مع التمسك بالمبادئ الوطنية والتضامن الإقليمي.
رضا شعبي عن موقف الدولة
برغم التداعيات الكبيرة لهذه الحرب العدوانية على غزة، تمكن الأردن من الحفاظ على موقف سياسي متوازن وفعّال، يعكس قدرة الدولة على التكيف مع الأزمات الإقليمية، إذ أظهرت نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن 87 % من الأردنيين راضون عن موقف الدولة تجاه الحرب على غزة، بينما أبدى 61 % من قادة الرأي و52 % من العينة الوطنية، تفاؤلهم بقدرة الحكومة على إدارة الملفات الإقليمية.
كما أشار الاستطلاع إلى أن 71 % يرون بأن الحرب، ساهمت بتعزيز العلاقات بين الأردن وفلسطين، ما يعكس وحدة موقف الأردنيين وتفاعلهم مع القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، أكد وزير الاتصال الحكومي السابق فيصل الشبول، أن الرضا الشعبي يعكس وعيًا سياسيًا متعمقًا لدى الأردنيين، مشيرًا إلى إدراكهم لدور الأردن وحدود تأثيره، وفهمهم للمبادرات التي تبنتها المملكة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني على الصعيدين السياسي والإغاثي، بما في ذلك جهود منع التهجير ومساندة الشعب الفلسطيني.
كما أشار الشبول إلى أن الحرب على غزة لم تكن حدثًا عابرًا؛ فقد ساهمت بصقل وعي الشباب السياسي، وأضحت تجربة يومية للشباب الأردنيين، بحيث تابعوا مجريات الأحداث عن قرب، من العدوان على غزة إلى ردود الفعل الدولية، مرورًا بمواقف الدول الشقيقة والصديقة.
ونوّه بأن هذه المعايشة اليومية، أسهمت بتعزيز الوعي الشبابي سياسيا، وجعلتهم أكثر قدرة على تحليل التطورات الإقليمية وفهم دور الأردن ضمن التوازنات السياسية في المنطقة، ما يعكس جيلًا واعيًا قادرًا على المشاركة الفاعلة في الحوار الوطني والقضايا الإقليمية.
اقتصاديا.. كيف تأثر الأردنيون؟
تأثرت الحياة الاقتصادية للأردنيين على نحو ملموس جراء هذه الحرب الإبادية على غزة، إذ أجبرت الظروف الإقليمية المواطنين، على إعادة ترتيب أولوياتهم المالية، فمع تصاعد الضغوط على الأسواق وارتفاع أسعار بعض السلع، بدأ الأردنيون يركزون على الاحتياجات الأساسية، ويولون اهتمامًا أكبر للمنتجات المحلية، في توجه يعكس الوعي الجماعي بالمسؤولية الاقتصادية والدور الوطني بدعم الإنتاج المحلي.
هذا التحول في السلوك الاستهلاكي، لم يكن مجرد استجابة للحظة الأزمة، بل شكّل اختبارًا لقدرة الاقتصاد الأردني على الصمود والتكيف مع التحديات، وإعادة صياغة الأولويات، بما يحافظ على استقرار الأسواق ويعزز النمو التدريجي.
الخبير الاقتصادي حسام عايش، أوضح بأن هذا التوجه ساهم بتطوير الإنتاج المحلي، وفتح أسواق جديدة للصادرات، التي ارتفعت إلى 8.5 % في الأشهر الأولى من العام، كما عزز الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر، الذي سجل زيادة بنسبة 36 % في النصف الأول من العام.
وبرغم الضغوط الاقتصادية، أظهر الاقتصاد الأردني مرونة في استيعاب تداعيات الحرب، محققًا نموًا بنسبة 2.7 % في الربع الأخير من العام الماضي، واستمرار التحسن في العام الحالي.
ساهمت هذه التحولات بتعديل نسب البطالة، وتحقيق معدلات نمو تدريجية في الاقتصاد، ما يدل على قدرة المملكة على استيعاب الصدمات الاقتصادية والعودة لمستويات مقبولة من النشاط الاقتصادي، وفق ما ذكره عايش.
لكن على الرغم من هذه المؤشرات، بقيت القوة الشرائية للمواطنين، تعاني مع ارتفاع محسوس في أسعار بعض السلع الأساسية.
وفي الوقت نفسه، أضاف عايش، أن القوة الشرائية للمواطنين تأثرت جزئيًا، مع تفاوت الأسعار في السلع الأساسية، ما دفعهم للتركيز على الاستهلاك الذكي والاعتماد على البدائل الوطنية.
وأشار إلى أن المقاطعة الاستهلاكية للمنتجات المرتبطة بالاحتلال الصهيوني، ساهمت بتعزيز سلاسل الإنتاج المحلي، وتفضيل المنتجات الوطنية، ما انعكس إيجابًا على استقرار الاقتصاد والنمو التدريجي للنشاط التجاري والصناعي.
انعكاسات اجتماعية ونفسية للحرب
منذ بدء الحرب على غزة، احتلت المجتمع الأردني موجة قوية من المشاعر الجماعية، تجلت في مزيج من الغضب والحزن والرفض الواضح للظلم، إذ إن هذه المشاعر، لم تقتصر على المحادثات اليومية، بل ظهرت في أماكن العمل والمنازل ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت هذه الحرب الدموية هي الموضوع الرئيس للنقاشات.
اختصاصية علم الاجتماع د. فاديا إبراهيم، أشارت إلى أن هذه الحالة دفعت الأردنيين للتعبير عن آرائهم بصراحة أكبر، والمشاركة في وقفات التضامن والمسيرات الرافضة للعدوان، ما أعاد قوة الخطاب الوطني والديني للحياة العامة، مع انتشار العبارات التي تعبّر عن الانتماء للأمة والدعاء والنصر.
على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، أوضحت إبراهيم، أن كثيرًا من الأردنيين قاطعوا منتجات معينة تضامنًا مع غزة، وهو سلوك يعكس الالتزام الأخلاقي والجماعي تجاه الموقف السياسي. كما شهد المجتمع موجة واسعة من التبرعات وتنظيم حملات دعم للشعب الفلسطيني، ما عزز قيم التعاون والعطاء والمسؤولية الاجتماعية.
فيما يتعلق بالوعي السياسي والاجتماعي، أكدت إبراهيم، أن الحرب ساهمت بزيادة انخراط الناس في النقاشات العامة حول العدالة والإنسانية والهوية، مع متابعة الأخبار وتحليلها على نحو أكثر دقة، مضيفة أن المشاعر المشتركة من الحزن والتعاطف ساعدت على تعزيز الروابط العائلية والمجتمعية، وأصبح الحديث عن غزة جزءًا من الحياة اليومية، ما زاد من الترابط الاجتماعي والوجداني بين الأفراد.
أما من الجانب النفسي، فقد تركت الحرب بصمتها عبر الصدمة الناتجة عن صور الضحايا والمجازر، لكن هذه الصدمة تحولت إلى دافع قوي للمساعدة والمقاومة المعنوية، لافتةً في حديثها إلى أن مشاركة الأردنيين مشاعرهم بالتعبير عنها عبر المظاهرات ووسائل التواصل الاجتماعي، ساعدتهم على الكشف عن مكنوناتهم جهة الحق والعدل والظلم، والتعبير عن الغضب والحزن على نحو صحي، ما خفف من التوتر والضغط النفسي.
كما أشارت إلى أن هذا التفاعل الجماعي، منح الأردنيين شعورًا بالوحدة في موقفهم، فالألم أصبح جماعيًا وليس فرديًا فقط، ما قلل من الإحباط الشخصي، منوهةً بأن العديد من الأردنيين حولوا مشاعرهم لأفعال إيجابية، من تبرعات ومقاطعة ومساندة معنوية، ما أعطاهم إحساسًا بالقوة والفاعلية، وهو عامل نفسي مهم لتجاوز الصدمة الناتجة عن الحرب.