Monday 15th of September 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Sep-2025

في الأردن: الإجماع العشائري ديمقراطية ليست للنساء |شروق النسور
درج ميجديا-
 
شروق النسور
 
“بدنا نعطيكِ والا نعطي الزلمة، بكرة إذا رسب بيقولوا الله لا يوفقها شتتت شمل الحمولة”. بهذه الكلمات عبّرت أسرة فاطمة. م (اسم مستعار) عن رفض ترشّحها للانتخابات النيابية التي جرت في الأردن العام الماضي.
 
تقول فاطمة إن أسرتها رفضت دعمها بدعوى تجنّب تشتيت أصوات العشيرة، إذ تمّ اختيار مرشّح من الرجال لتمثيل عشيرتها، وتؤكّد أنه من الصعب عليها الترشّح في غياب دعم أسرتها، وتضيف عن محاولتها المتكرّرة للترشّح للانتخابات في أكثر من دورة انتخابية: “كل مرة بصير نفس الشيء، لما بدي أترشح، بختاروا زلمة”.
 
لم ينجح المرشّح الذي اختارته العشيرة في الانتخابات الأخيرة في الأردن. لا يوجد دور للنساء في اختيار مرشّح العشيرة، بحسب فاطمة، وتقول إنها ندمت لعدم انتسابها إلى حزب سياسي، فهي في تلك الحالة لن تكون بحاجة إلى موافقة العشيرة.
 
فاطمة ليست بعيدة عن فضاء العمل العامّ، فهي عضوة سابقة في مجلس بلدي. نجحت مرّات عدّة في الوصول إلى مجلس البلدية في منطقتها. في المرّة الأولى التي خاضت فيها الانتخابات البلدية، تقدّمت بطلب ترشّح في منطقتها بشكل مستقلّ، ونجحت في الحصول على مقعد في المجلس البلدي.
 
في الانتخابات البلدية الأخيرة (أيلول/ سبتمبر 2024) حلّت فاطمة رابعة في قائمة مرشّحين ضمّت 18 مرشّحاً، معظمهم من الذكور، وحصلت على مقعد بشكل تنافسي خارج إطار “الكوتا”، تقول فاطمة: “إن خوض الانتخابات البلدية لا يتطلّب إجماعاً من العشيرة”.
 
فاطمة معروفة لدى أهل منطقتها، فقد عملت في مجال التعليم لأكثر من عقدين، وتعاملت مع الكثير من العائلات هناك. عندما نجحت في أوّل انتخابات بلدية خاضتها، التقت محافظ المنطقة مع بقية أعضاء المجلس، وكانت تتحدّث حول المشكلات التي تواجه بلديتها. أبدى أحد أعضاء المجلس اعتراضه على مشاركتها الحديث مع المحافظ كونها إمرأة، وفق فاطمة.
 
لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي واجهت فيه فاطمة تعليقات “عنصرية” ومحاولات إقصاء. تقول فاطمة إن البعض من داخل العشيرة، كانوا يعبّرون أمامها عن انزعاجهم من ترشّحها للانتخابات البلدية، أثناء زيارتها مراكز الاقتراع: “بدناش نسوان، نحن بنعطي زلمة”.
 
 
ضغوط كبيرة
فاطمة ليست الوحيدة التي واجهت صعوبات في الترشّح للانتخابات النيابية الأخيرة. أشار تقرير حول العنف ضدّ المرأة خلال الانتخابات النيابية للعام 2024، إلى أن العديـد مـن المرشحات، ممن خُضن الانتخابات النيابية العام الماضي، أكّدن أن بيئـة الانتخابـات التي تسيطر عليها المنافسة العشائرية وانتشـار المـال الأسـود، دفعاهنّ إلى التخلّي عـن الترشّح.
 
وبحسب التقرير الذي شمل أكثر من 167 مرشّحة، تعرّضت مرشّحات لضغوط مــن أفراد العشيرة ومن أقاربهن على وســائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لإقناعهن بالانسحاب أو التشكيك في قدرتهن على الفوز. إحدى المرشّحات ذكرت أن أفــراداً مــن عائلتهــا نشروا تعليقات سلبية علــى وســائل التواصــل الاجتماعــي، معلنين براءتهم منهــا إذا أكملت مسيرتها الانتخابيـة، مـمـا شـكّل لها ضغطاً نفسياً كبيراً، وفق التقرير الصادر عن مركز “قلعة الكرك للاستشارات والتدريب”، الذي شمل تحليل آلاف المنشورات، وأكثر من 140 ألف تعليق على مواقع التواصل.
 
كما تعرّضت مرشّحة أخرى لضغط شديد من خلال “جاهــات” أُرســلت إلــى زوجهــا و أفــراد عائلتها، لإقناعها بالتراجع عن ترشّحها، مشيرة إلى أن زوجها طلب منهــا الانسحاب مــن الســباق الانتخابـي، وهدّدهـا بالطلاق إذا لـم تسـتجب، حيـث كان يؤمن بأن حفاظها علــى وحدة العائلــة أهــمّ مــن دخولها الساحة السياسية، بحسب التقرير.
 
يُعدّ الإجماع العشائري ممارسة اجتماعية يختار بموجبها أفراد العشيرة ممثّلاً منهم، ليكون مرشّحاً للانتخابات باسم العشيرة، ويترتّب على ذلك تصويت أفراد العشيرة لهذا الممثّل، بغض النظر عن أي توجّه سياسي أو برامجي.
 
يقول المحلّل السياسي سميح المعايطة: “إن العشيرة كانت وحدة اجتماعية تمارس دورها الوطني، وهي ليست إطاراً سياسياً. إلا أنها تحوّلت بشكل تدريجي إلى جهة تقدّم مرشّحين إلى مجلس النواب”، مشيراً إلى “تراجع الدور العشائري نتيجة عوامل عدّة، من بينها التنافس الكبير بين أبناء العشيرة الواحدة”.
 
وبحسب المعايطة قدّمت “الكوتا” مساراً آخر لاختيار نساء من العشيرة من دون التأثير على “مرشّح العشيرة” من الذكور، مؤكّداً أنه “كان يندر قبل ذلك أن تقدّم العشيرة امرأة منها كمرشّحة تحظى بالإجماع”.
 
“قانون” ذكوري لا مكان للإناث فيه
لا تُخفي بعض العشائر استبعادها الإناث من عمليّة اختيار مرشّحي الإجماع. وعلى موقعها الرسمي نشرت عشيرة “ز” ما أسمته “قانون الانتخاب الداخلي” الخاصّ بالانتخابات النيابية، الذي تضمّن تفاصيل عمليّة الانتخابات الداخلية لاختيار مرشّحي العشيرة، الذين يخوضون الانتخابات النيابية. اعتمدت تلك العشيرة نظاماً أكثر تعقيداً في انتخاباتها الداخلية مقارنة مع عشائر أخرى، فهناك مجلس انتخاب تنبثق عنه لجان تُشرف على العمليّة التي تتمّ وفق اقتراع سرّي، مع توفير صناديق وخلوة للمقترع وأوراق اقتراع وأختام صُمّمت لهذا الغرض، ومع ذلك يشترط “القانون” بشكل علني أن يكون الناخب ذكراً.
 
لم يكن لإناث العشيرة مكان في العمليّة بمجملها، في الوقت الذي تؤكّد فيه العشيرة على موقعها، أن الانتخابات النيابية استحقاق دستوري، والمشاركة فيها واجب وطني.
 
أما عشيرة “ع”، فنشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة إلى اجتماع لاختيار مرشّحيها في الانتخابات النيابية 2024. يؤكّد منشور للعشيرة على “فيسبوك” أن حقّ اختيار مرشّحي العشيرة خاصّ بالذكور فقط.
 
لا يُعدّ هذا النوع من الدعوات أمراً غير مألوف، إذ تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مع اقتراب الانتخابات النيابية دعوات الانتخابات الداخلية للعشائر، التي لا تُخفي إقصاء الإناث عن تلك العمليّة.
 
يقول مصطفى. ق (اسم مستعار) وهو رئيس لجنة الانتخابات الداخلية في عشيرته، إن العشيرة تُجري الانتخابات لاختيار مرشّحها، وقبل ذلك يتمّ اختيار شخص من كلّ فخذ (فرع) أو حمولة لتشكيل لجنة الانتخابات، التي تحدّد موعد الانتخابات الداخلية وتُشرف على إجرائها.
 
وبحسب مصطفى فقد عُقدت انتخابات العشيرة العام الماضي في منشأة خاصّة تمّ استئجارها لهذا الغرض، ووُضعت أكثر من ثلاثين كاميرا في الغرف لمراقبة سير انتخابات العشيرة.
 
وأوضح مصطفى أنه “لم يسبق أن أبدت أي من إناث العشيرة رغبتها في أن تكون عضوة في لجنة الانتخابات، وهذا يعود إلى الحمولة (الفرع) التي تختار الشخص الممثّل لها”. “في العام الماضي كان كلّ المرشحين الذين خاضوا انتخابات العشيرة ذكوراً”، وفق قوله.
 
بحسب مصطفى لم يُسمح بالمشاركة في تلك الانتخابات، إلا لمن ورد اسمه في اللوائح المعدّة لهذا الغرض، التي استندت إلى لوائح الناخبين الصادرة عن الهيئة المستقلّة للانتخاب من أبناء العشيرة، باستثناء أنها لم تضمّ أياً من الإناث.
 
يؤكّد مصطفى أن “غياب النساء عن اختيار مرشّح الإجماع ليس نتيجة إقصاء متعمّد، بل يرتبط بقيود لوجستية تتعلّق بسعة المكان”.
 
تقول الدكتورة هبة حدادين مديرة مركز “مساواة للتدريب وحقوق الإنسان”: “إن إقصاء النساء من الانتخابات الداخلية للعشيرة لا يتمّ بشكل عشوائي بل هو ممنهج، وغالباً ما تتمّ عمليّة اختيار مرشّح الإجماع في مجالس يسيطر عليها الوجهاء والشيوخ والرجال الكبار في العشيرة، إذ تُتّخذ القرارات في غياب صوت المرأة الفاعل أو حتى حضورها”، معتبرة أن “هذا يُرسّخ فكرة أن التمثيل العشائري شأن ذكوري بحت”.
 
وتشير حدادين إلى أن “ولاء النساء يُدار عبر الرجال داخل الأسرة، إذ يُطلب من الآباء أو الأزواج توجيه أصوات النساء نحو المرشّح الذي تختاره العشيرة، ما يُلغي استقلاليّتهن في القرار الانتخابي”.
 
تقول حدادين: “إن النساء اللواتي يُعلنّ عن نيّتهن الترشّح يواجهن بالفعل تهديدات وضغوطاً ذات طبيعة عشائرية، لا تأخذ بالضرورة شكل العنف المادّي المباشر، بل قد تتجلّى في أشكال أكثر دهاء وتأثيراً في النطاق الاجتماعي والنفسي للمرشّحة ودعمها المحتمل”، ومن بين تلك التهديدات “الطعن في السمعة والمكانة، والعزلة الاجتماعية والتهميش السياسي”، بحسب قولها.
 
لا يقتصر استبعاد المرأة من “انتخابات” الإجماع العشائري، بل تستبعد عن عضوية اللجان الداخلية المشرفة على اختيار المرشحين في العشيرة.
 
لم يخفِ الناطق الإعلامي السابق للهيئة المستقلّة للانتخاب جهاد المومني عدم قانونية هذا النوع من “الانتخابات” داخل العشائر، وقال في حديث مع قناة “المملكة” قبيل الانتخابات النيابية 2020: “هذه الانتخابات غير شرعية و تمييزية، فالمرأة لا تصوّت فيها”، وأضاف: “لا يوجد مكان لانتخابات العشيرة في اللوائح التنفيذية للهيئة، نحن لا نتعامل معها”.
 
تحدث هذه الانتخابات أمام مرأى ومسمع الإدارات الحكومية، إذ تنتشر إعلاناتها في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. في 2020 حظرت السلطات إقامة الانتخابات الداخلية للعشائر، لأسباب تتعلّق بالصحّة العامّة، وكإجراء وقائي لمنع انتشار فيروس كورونا، إلا أنها سمحت بعقدها لاحقاً.
 
يوضح الخبير الدستوري ليث نصراوين، أن “قانون الانتخاب في الأردن لم يتضمّن أي حكم يتعلّق بالانتخابات العشائرية”، باعتبار أن القانون يبدأ من مرحلة تقدّم المرشّح بطلب إلى الهيئة المستقلّة للانتخابات، من دون النظر إلى المراحل التي تسبق ذلك.
 
يقول نصراوين: “إن القانون الأردني لم ينظّم مسألة الانتخابات العشائرية، بما يخالف الحال في دول أخرى اعتبرت الإجماع العشائري سلوكاً جرمياً ونوعاً من المال السياسي الأسود، كما هو الحال في الكويت”