Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Dec-2019

ضد النسيان: أفكار حول تدريس فلسطين، إسرائيل

 الغد-بيناي بليند* – (ذا بالستاين كرونيكل) 2/12/2019

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
بينما تنقضي أيام عيد الشكر للعام 2019 وتذهب إلى الماضي، فكذلك تفعل الدعوة إلى الاحتفال -ليس بعيد الحجاج، وإنما بالتاريخ الاستعماري لأميركا. وكما يلاحظ جويل دويرفلر، يلاقي تعليم مساق عن فلسطين/ إسرائيل بدوره مصيراً مشابهاً أيضاً. وينظر دويرفلر على وجه الخصوص في المجلد الذي قامت بتحريره راشيل إس. هاريس بعنوان “تدريس الصراع العربي الإسرائيلي (2019)”، والذي يعتبره “تجربة مقيتة وغير سارة بلا أدنى شك”.
بما أنه درَّس مساقاً في التاريخ مع “اللقاء الصهيوني-الفلسطيني” لطلبة المدارس الثانوية في مدرسة خاصة بمدينة نيويورك، أعرب دويرفلر عن اهتمامه المبدئي بالقراءة عن الكيفية التي يقدم بها الآخرون هذا الموضوع لطلابهم. ولم يكن انطباعي الخاص بهذا الشأن رحيماً. إن تقديم استعمار فلسطين على أنه “نزاع” إنما يفرض مسبقاً لغة تماثل بين الفريقين، كما يفعل المساهمون في مقالات الكتاب فعلياً. ويغطي هذا النهج سوأة اللحظة الحاسمة لهذا التاريخ، النكبة، هذه الكارثة المستمرة من العام 1948، لتقديم ما تصفه الكاتبة المساهِمة في الكتاب، شينا فايس، بأنه “تعقيدات الروايات المتعددة، المتنافسة”.
بمواصلة النظر في العنوان نفسه، ينجح اختيار استخدام مصطلح “عربي” في زيادة محو الهوية الفلسطينية، وهي خطوة تميل بالهدف المعلن للمنهاج، “الحياد” أبعد في اتجاه الزاوية الصهيونية. وكان الراحل إدوارد سعيد قد أعلن في مقال صحفي بعنوان “الاختراع، الذاكرة والمكان” (2000)، أن دراسة التاريخ ليست “تمريناً محايداً في سرد الوقائع والحقائق الأساسية”. إنه يشبه، بدلاً من ذلك، “جهداً قومياً” في أغلب الأحيان، قائماً على الحاجة إلى ضمان الولاء لـ”فهم شخصٍ داخلي لبلده، وتقاليده ومعتقده”.
لم يكن من قبيل الصدفة أن يذكر سعيد الراحل هوارد زين؛ حيث كان كلاهما ينتقد بشدة فكرة الحياد في الكتابة التاريخية. وبينما يتأمل في “مذابح التاريخ”، فضَّل زين تسليط الضوء على “الفصول المهملة” في التاريخ الأميركي (والتي لا تختلف عن تلك التي يتم تجاهلها في مجلد مختارات هاريس). مثل تلك اللحظات، كما يعتقد، تُعرّي وتكشف صورة أوسع بكثير عن “اللحظات المخزية” التي قد “تمكِّننا (من الرؤية) بمزيد من الصدق وبطريقة أكثر وضوحاً” اليوم.
كما يلاحظ دويرفلر، ثمة موضوع رئيسي بارز لمجموعة هاريس، هو قول أن هذا “النزاع” هو واحد “استثنائي في تعقيده”، ولذلك، فإن “تعريف الطلاب بالموضوع يتطلب حساسية وحذراً غير عاديين”. ويصل الكُتاب المساهمون إلى هذا الموقف، الذي يقبلونه على أنه معطى من دون كثير من الاستنطاق، لأنهم يفترضون سلفاً أنها “الروايات المتنافسة” -روايات مجموعتين من الناس جديرتين ومستحِقَّتين بالمقدار نفسه، واللتين لكل منهما مطالبها المحقة بالأرض، ومعها الحق في تقرير المصير الوطني- هي التي تولد هذا المشهد المعقَد. وفي هذا السيناريو، لا يرغب أن من الطرفين في التفاوض بشأن خلافاتهما.
بالعودة إلى موضوع عيد الشكر، العطلة التي يرفض البعض منا المشاركة في احتفالها بمجزرة، بينما قد يتذكر الآخرون ذلك التاريخ الصحيح، لكنهم يظلون يحترمون التقاليد لأن القيام بخلاف ذلك قد يجعل أصدقاءهم غير سعداء: ما الذي يمكن أخذه من هذه المناسبة، والذي يمكن أن يقود إلى موقف مختلف حول تدريس مسألة فلسطين في مجموعة مختارات مُجمّعة في المستقبل؟
إلى حد ما، يذهب دويرفلر شوطاً بعيداً في معالجة هذا السؤال، لكنه لا يصل إلى حد ما يصفه ستيفن سلايطة بـ”الطائفية المتبادلة”، وهو مفهوم وثيق الصلة بهذا الموضوع. في “الأرض المقدسة في مرحلة انتقالية: الاستعمار والسعي من أجل كنعان” (2006)، يشرح سلايطة أن هذه العبارة تعبر عن حوارٍ بين مختلف المجموعات العرقية ذات الاهتمامات المشتركة.
من ناحية، يعتقد دويرفلر بأن الهدف الجامع المتمثل في تدريس مقرر حول “إسرائيل-فلسطين” يتضمن “مساعدة الطلاب في تكوين فهم متماسك لعملية اجتماعية-سياسية محددة وفريدة من نوعها”. ومن ناحية أخرى، يعمد إلى استخدام نموذج سلايطة الأكثر شمولاً، بوضع مجتمعات محددة في قلب تاريخها الخاص، سامحاً بذلك للباحثين بإيصال حقائق الاحتلال -في الأميركتين وفي فلسطين وما إلى ذلك- إلى جمهور أوسع من دون تمييع الطابع الفريد لكل صراع.
في مقال كتبته لمجلة “صوت اليسار” Left Voice، تقترح تاتيانا كوزاريللي: “في عيد الشكر هذا، لا تحتفلوا بالمستعمِرين، احتفلوا بمقاومة السكان الأصليين” بدلاً من ذلك. وبهذه الطريقة، يتم وضع كل المجموعات المستعمَرة من الناس في قلب مأساتها، وكذلك مقاومتها لهذه المأساة. وفي الواقع، كما أوضحت كوزاريللي، فإن “أسطورة عيد الشكر”، وهي قصة عن “الصداقة واللطف” بين المستعمِر والمستعمَر، قد “غطت فعلاً على الإبادة الجماعية الوحشية للسكان الأصليين”، التي ارتكبها الغزاة الأوروبيون في أميركا.
يتكرر “إرث الإبادة الجماعية” نفسه، كما تضيف كوزاريللي، في جميع أنحاء الأميركتين؛ حيث يتواصل اليوم ضد شعب المابوتشي في شيلي؛ والسكان الأصليين في بوليفيا وكولومبيا؛ وفي الولايات المتحدة وكندا، حيث يواصل أعضاء مجموعتي “أميركا الأصلية” و”الأمة الأولى” نضالهم ضد الدولة الاستيطانية-الاستعمارية.
وتخلص كوزاريللي إلى القول: “في عيد الشكر هذا، دعونا نقدم شكرنا لحركات المقاومة التي يقوم بها السكان الأصليون في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، ونظهرَ التضامن معها؛ مع أولئك الناس الذين ينضالون في هذه اللحظة نفسها ضد عنف قرون من الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية”. وعلى الرغم من تركيزها على الأميركتين، فإن تعليقها الأخير يحيل إلى دعوة سلايطة إلى التضامن مع الشعوب الأصلية، بما في ذلك فلسطين، في كفاحها المستمر من أجل التحرر.
من خلال التركيز على هذه الحقائق، كما تكتب روث هوبكنز، فإننا “نحرز بعض التقدم نحو البدء في الاعتراف بدم السكان الأصليين على يدي أميركا”. وباعتبارها كاتبة من قبيلة داكوتا/لاكوتا من شعب سيوكس الأصليين، وعالمة أحياء، ومحامية، وقاضية قبَلية سابقة، تريد هوبكنز “تغيير النظام من واحد يقوم على الغزو والموت إلى واحد للاستدامة والحياة”، لكن هذا العمل التعليمي، على ما أعتقد، يحتاج إلى تضمين دور أميركا الدولي في دعم وتعزيز الاضطهاد الاستيطاني-الاستعماري في الخارج، كما في حالة فلسطين.
تبعدنا مثل هذه الدراسات المقارنة دائرة كاملة عن مختارات راشيل هاريس، وهي منهاج يغطي على الطبيعة الاستيطانية-الاستعمارية لما تسميه “نزاعاً”. وفي مقابلة أجريت مؤخراً مع مجلة “الديمقراطية الآن”، يتحدث نِك إستيس، المؤسس المشارك لمجموعة المقاومة المكونة من السكان الأصليين في أميركا “الأمة الحمراء” The Red Nation، وأستاذ الدراسات الأميركية بجامعة نيومكسيكو، والمواطن الأصلي من قبيلة برولي سيوكس السفلى، عن كتابه “تاريخنا هو المستقبل: ستاندينغ روك مقابل خط أنابيب داكوتا، والتقليد الطويل للمقاومة الأصلية”.
في “ستاندينغ روك”، كما قال، ارتفعت المئات من أعلام الأمة القبلية، وكذلك الأعلام التي تمثل حركات التضامن الدولية مع الجنوب العالمي. وبرز بطريقة مهمة ولافتة، العلم الفلسطيني، لأنه، كما يقول إستس، “ما يزال أقرباؤنا الفلسطينيون”، بطريقة تشبه كثيراً شعب لاكوتا، “يواجهون وطأة الكولنيالية الاستيطانية” في شكل “التجريد المستمر للسكان الأصليين من أراضيهم وحقوقهم”. وخلصإستيس إلى أن “استعمار المستوطنين في إسرائيل -أو في فلسطين، هو في الحقيقة امتداد للاستعمار الاستيطاني في أميركا الشمالية”، وهي ثيمة شاملة يمكن أن تساعد منهاج تعليم فلسطين/إسرائيل بشكل جيد على تجنب ما يسميه دويرفلر “الفراغ المعرفي والأخلاقي” المتأصل في كتاب هاريس.
 
*حصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة نيو مكسيكو. تشمل أعمالها الفكرية “دوغلاس فاكوش وسام ميكي، محررون” (2017)، “لا وطن ولا منفى هي الكلمات: ‘المعرفة السياقية’ في أعمال الكتاب الفلسطينيين والأميركيين الأصليين”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Against Forgetting: Thoughts on Teaching Palestine, Israel