Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Feb-2020

خيبات عابرة

 الدستور-ابراهيم عقرباوي

تعجبني ملاحة صورتك، وجمال قوامك، وبشاشتك المبذولة لمن يلقاك.
يعجبني ظاهرك المتشح بالرزانة، لا شك في ذلك، غير أن باطنك القذر، والحقارات التي بايعتها على السمع والطاعة، وطباعك الجارحة المدهونة بصباغ الدماثة الزائف المخفية نواياك الرجيمة، جميعها تعكر صفو إعجابنا بصورتك البهية. فالحق الذي لامرآء فيه أن كيانك المادي لا تبهرنا صورته إلا بقدر ما يُساقط شوك شر، ويكسب زهر خير، ويترك وراءه من أثر في الخلود.
إعلم يا صاحِ، أنك لست الأفق الوحيد ولا النافذة اليتيمة.
أنت لست كما يظنك الواهمون، ويحسبك الضعفاء، ويرهبك الجبناء.
أنت نقطة قد تتبخر في أية لحظة في بحر الوجود، وأنت كلما إزددت غروراً وقوة ثّبطك النقصان، واكتنفك القصور، وأسرتك الحاجات.
أنت لست البقاء ما دام فيك تنمو بذرة الفناء.
ومثلك يُنسى...
ولا معنى لذكراك بعد تضييقك الخناق على قُبَّرات تواصلنا الجليل، وتحليقها بعيداً فراراً بوداعتها المزركشة بشقائق النعمان. مثلك يُسقى بكأس المرارة والأكدار لمحوك وجه الصداقة الذي كان كأنه كوكب درّي بممحاة الكراهية المباغتة، واحتمائك ببيداء مسكونة بخديعة السراب والوساوس الرجيمة
مثلك يُنسى... وتُحرق بيادر مسامرات طيفه الذي غدا غريباً، وتردم آبار آمال الأوبة إليه ولو كانت الأُعطيات جزيلة، وتُطمس نجوم الأنس به ولو كان البديل وحشات في بريات الخلوة رابضة.
مثلك يُنسى... ولا رثاء لدخولك في عداد البعيدين الخاملين بعد أن أخذتك العزة بإثم القطيعة، وأدرت ظهرك لكل المناقب الموشاة بذهب خفض الجناح وصون العهود.
طويلاً اعتقدت أن ما تملكه من مال يكفي لخوض عباب الحياة، وحل معضلاتها، وإزاحة  كل عقبة كأداء تعترض أفراح يومك، ومعوق يُبطِّيء سير مركبة سعادتك الفارهة...
طويلاً ظننت أنك جاذب للمباهج وأصحابها، ومقبول من جميع المحظوظين الذين نالوا رضا والديهم لتبارك خطى فرصهم في قطف ثمار نجاحٍ مراوغ، ومحط إهتمام كل بعيد يزحف نحو تخوم تلالك العامرة بأمل العطايا، وقريب يصفق لحضورك الناثر لآليء الوعود المراوحة بين الحلم الرقيق والإنجاز المتمنع.
لطالما رسخ في وجدانك بأنك محبوب الجميع ومحور دورانهم حول مناجم ذاتك العلية الثرية. وفي لحظة حقيقة صادمة وتجلِّي للمشاعر صادق يتكشف لك بأن لا أحد يضمر لك حباً . كمٌ وافر من المقت والكراهية تخبئها الصدور نحوك، وسهام نقد لا تُعد.
لقد غاب عن بالك أنك كنت متعالياً ونرجسياً ومتفوقاً في تقزيم كل من فاقك علماً واسعاً، وأدباً جماً، ولطفاً ناعماً، ومكارم أخلاق لا تخفى. وكنت فظّاً غليظاً جديراً بأن تنفضَّ القلوب من حولك.
لا عجب إن غدوت تتسول حُباً من عين كل كريم، وفؤاد كل عزيز، ويد كل معطاء، حتى ولو قل المال في أياديهم.
الحب لا يُشترى... الحب هبة أنقياء البشر للمؤمنين بأزهار ماء العطاء
***
إستوصوا بمثالبه شراً.
وعلى استحياء أذكروا مناقبه الضامرة. لا تبخسوا سيرته غير العطرة حقها، بل أوفوها ما تستحق من الوصف والحت والتعرية. لم يكن شريراً محضاً، ولا اقترب من الخير كما يليق بالطيبين من البشر، انما عن الحق حاد، وفي التيه شرد، وبالباطل تلبس، فتزاحمت على قلبه الأقفال، واستولت على لبه خادعات المنى وبوارق طول الأمل.
كونوا أنصاراً للموضوعية، وأظهروا سوية أو إعوجاج مسيرته الحافلة بالقعود عن نصرة الضعيف  والوقوف بعناد في صف الباطل لمضاعفة قوة القوي، انطلاقاً من قناعاته الانتهازية، ونجدته من إستغاث به من البسطاء، سعياً لذيوع صيته الدنيوي، والسير في حاجات الناس طلباً لامتيازات تلوح في رؤوس تلال المصالح.
لا تظلموا المكارم فهي عنه نائية، والمطامع بوصلته المؤشرة نحو الأهداف المتاحة والثمار المباحة. ما جاوزنا الحد لما نشرنا أنباء إلتصاقك بوحل العدم، وانتسابك للمكائد الشائكة، فلقد تجاوزت كل حدٍ ومدى، ومن هالتك الغليظة، وسمتك المنفر تساقطت الشوائب فعكرت سنا الصباح وقطر الندى. وأبصرناك قبحاً صرفاً مضافاً الى ما في الدينا من غدر وبشاعة، وألفيناك تتخذ من الحقارة متكئاً، ومن الكذب موطيء قدم للانقضاض على مكسب يفضي الى منصب مزين بالصلف والعنجهية.
ووجدناك أفَّاكاً نهماً أشراً يستوي عنده إن هبط الى درك حثالة البشر أو صعدت به أفعاله الى مصاف الضباع أكلة القصاع.
***
وأنت على سرير الموت المؤكد كيف ترى الدنيا وقد آذنت  للغروب، وأسدلت ستائر الجفاء على شبابيك الوداع الأخير؟!
أهي هي كما خبرت كل فصولها، وكما ظننتها وأردتها بكامل اندفاعك نحوها  واستسلامك في حضنها الذي حسبته آمناً أميناً؟! لقد كافحت لأجلها وصارعت وقاتلت، وخضت مغامرات كاسرة، ومعارك صغيرة هامشية وأخرى ضارية. وفي سبيل حصد غنائمها إستبسلت  وتساقط كثير من زهر الفضائل والمكارم على طريق خطاك الثقيلة، وما فزت إلا بالسيئات، وكنت من الأخسرين أعمالا.
أيدك هذه التي ترتجف؟!
وما بال نظرتك زائغة يحاصرها الهلع، وقد كانت من قبل حادة ثاقبة؟!
أراك جسداً نحيلاً ذاوياً تحطمت إرادته، وغاضت تطلعاته، واضمحل مجده، وشاخت خيول جموحه  وصار يستجدي من العيون عطفاً وإسناداً للعزيمة المتهالكة...
لقد غربت شمسك، وانتهت الحكاية.