Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Oct-2018

الثقة المتآكلة - شاؤول أريئيلي

 

هآرتس
 
الغد- قضية الثقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير، هي أكثر ما يدلل على فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق دائم، بعد عامين من التوقيع على اتفاق أوسلو (إعلان المبادئ). فقدان الثقة هو نتيجة الخروقات الشديدة من قبل كلا الطرفين للاتفاق (إرهاب، توسيع مستوطنات وغيرها). لقد وجد تعبيره في الزيادة في عدد الصفحات التي أضيفت لكل اتفاق، من أجل منع العمل حسب التفسيرات الشاذة عن روح الاتفاق؛ بإضافة اتفاقات (اتفاق الخليل، مذكرة واي ريفر) من أجل إعادة صياغة أكثر تفصيلا وشرحا للمواضيع التي سبق واتفق عليها؛ وبالانحراف الآخذ في التزايد في البرنامج الزمني الذي حدد في تطبيق كل واحدة من المفاصل الأساسية في العملية. 
علاوة على ذلك، فإن أقوال المعارضين لكل عملية سياسية مع الفلسطينيين بمقالات ومقابلات في ذكرى الـ 25 عاما على الاتفاق – محاولتهم لوصف اتفاق أوسلو كمؤامرة متعمدة من قبل عرفات منذ البداية، هو إعادة كتابة سياسية للتاريخ. 
الادعاء بأن هذه المؤامرة استهدفت الحصول على ثقة رابين وبيريس، وأن ذهاب الفلسطينيين للمفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية استهدفت فقط إعادة إسرائيل "للحدود الضيقة التي سبقت حرب الأيام الستة، وفيما بعد تجديد هجوم التدمير على الدولة اليهودية من هذه الحدود"، كما كتب نتنياهو، ليست سوى قلب للتاريخ.
نقطة الضعف الأساسية لاتفاق أوسلو هو كونه إطارا تدريجيا متعدد المراحل، والذي ينقصه المعايير لتحديد الوضع الدائم، باستثناء قرار مجلس الأمن 242 ("الارض مقابل سلام"). أي أن الأطراف وقعوا على اتفاق "مثقوب كجبنة سويسرية"، والذي أخرجهم إلى رحلة دون تحديد هدفها النهائي. التفسير المختلف الذي يعطيه كل طرف للاتفاق والوضع الدائم الذي وجده في خياله، هو ما أوجد الخروقات من قبل الطرفين ودمر الثقة بينهما، خروقات كانت في أساسها محاولات من قبل الطرفين لتشكيل واقع يخدم رؤيتهما.
في هذا الصراع شاركت الأطراف الممثلة الرسمية، حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير، ولكنهم مكنوا المعارضين للاتفاق بأن يشاركوا فيه، تحت حجة الافتراض الذي خيب الآمال، بأنه يمكنهم السيطرة عليهم والتحكم بـ "ارتفاع ألسنة اللهب التي سيشعلونها". هكذا وفي عملية دوارة، الخروقات عززت قوة معارضي الاتفاق (فوز حماس في الانتخابات للسلطة الفلسطينية وتشكيل حكومات قومية متطرفة - مسيحانية في إسرائيل)، وهؤلاء عادوا لتأجيج الوضع إلى درجة فقدان الثقة ووقف العملية السياسية.
خلافا لادعاءات معارضي الاتفاق بأن التدرج في العملية وغياب مخطط نهائي للوضع الدائم خدمت الفلسطينيين في احياء "نظرية المراحل"، الحقيقة التاريخية معاكسة. إن اختيار عملية تدريجية كان هو رأي رابين منذ فترة ولايته الأولى، قبل حوالي عقدين من أوسلو. في 1977 أعلن: أنا أفضل اتفاقات مرحلية، مع فترة اختبار ما بين المرحلة والأخرى على محاولة التقدم مرة واحدة نحو اتفاق شامل"، "والانتقال إلى سلام حقيقي هو عملية وليس حدثا لمرة واحدة".
هذه المقاربة تم تبنيها من قبل خليفته مناحيم بيغين الذي وقع في 1978 في كامب ديفيد مع السادات على اتفاق الإطار لحكم ذاتي فلسطيني، المشابه لدرجة مدهشة في تفاصيله لاتفاق أوسلو. بعد سنتين من ذلك كان محزنا أن نكتشف أن رابين اختار اختبار الفلسطينيين، ولكنه لم يكن قادرا على رؤية امكانية لأن المعارضين لكل تسوية سيستغلون التدرج لكي يضعوا العصي في دواليب العملية السلمية إلى أن أضاف أحدهم لذلك 3 رصاصات في ظهره.
الأهم من ذلك هو حقيقة أن الضبابية وغياب الهدف النهائي التي فرضت على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت في الحضيض من حيث مكانها وقدراتها، استهدفت خدمة رؤية إسرائيل للتسوية الدائمة والتي كانت معاكسة للرؤية الفلسطينية.
حسب وجهة النظر الفلسطينية، فإنهم أعطوا كل شيء وقاموا بالتنازل الوطني التاريخي والاساسي في 1993. لقد اعترفوا بإسرائيل وتنازلوا عن 100 في المائة من وطنهم فلسطين مقابل دولة فلسطينية على 22 في المئة منها. ومثل باقي العالم فإن م.ت.ف فسّر قرار 242 كانسحاب إسرائيلي كامل من المناطق التي احتلت في حرب الأيام الستة. 
بناء على ذلك فإنها رأت في موافقة إسرائيل "على السير نحو الاتفاق النهائي، القائم على قرارات مجلس الأمن 242  و338"  كما ورد في اتفاق أوسلو، الهدف النهائي، الذي سيؤدي إلى انشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها شرقي القدس، أي أن دور إسرائيل في تطبيق التسوية يبدأ فقط بعد أن أعطى الفلسطينيين ما استطاعوا، ولم يتبق لهم سوى الاعتقاد بأن إسرائيل ستنفذ ما عليها.
 بالمقابل، الجانب الإسرائيلي الذي أيد سلطة دويلة محدودة، طالب بأن تكون قاعدة المفاوضات هي مبدأ التسوية المعقولة، والتي تأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي تشكل منذ 1967 وتهتم بالمصالح الأمنية والاستيطانية لإسرائيل. 
إسرائيل أرادت الانفكاك من "الشرعيات الدولية" التي حددها قرار 242 على صيغة "السلام مقابل كل الأراضي". هي أكدت على بند آخر من القرار والذي يعنى بـ "حدود آمنة ومعترف بها"، من أجل المطالبة وإبقاء أجزاء واسعة من الضفة الغربية تحت سيادتها.
في خطاب في الكنيست في تشرين الأول 1995، من أجل المصادقة على الاتفاق المرحلي قال رابين "نحن نريد أن يكون هذا كيانا أقل من دولة: حدود دولة إسرائيل، حتى الحل الدائم، ستكون وراء الخطوط التي كانت قائمة قبل حرب الأيام الستة".
نتنياهو الذي انتخب في 1996 كتب قبل عام من ذلك "خطة الحكم الذاتي تحت سيادة إسرائيل هي البديل الوحيد". باراك الذي ازاحه في 1999، رفض استخدام مفهوم "دولة فلسطينية"، ورأى ان هدف الاتفاق هو تقسيم معقول ليهودا والسامرة.
المفاوضات على الاتفاق الدائم والتي بدأت فقط في نهاية 1999، ابرزت الاختلاف المبدئي بين رؤية الطرفين، وشجع الادعاء بشأن المصلحة الإسرائيلية الاساسية في الضبابية والامتناع عن تحديد المخطط الدائم، من ناحية الفلسطينيين فإن المفاوضات استهدفت الوصول إلى تحقيق حقوقهم كما حددتها " الشرعيات الدولية" وليس كنتيجة لعدم التناظر القائم مع إسرائيل. بناءً على ذلك فقد طالبوا ان تبدأ المفاوضات بالموافقة على المبادئ القائمة على القرارات الدولية، وفقط في مرحلة ثانية تتناول التفاصيل. إسرائيل بالمقابل طالبت الموافقة على التفاصيل حتى في صورة لا تتماشى مع القرارات الدولية. وفي مرحلة لاحقة تقرير ان التفاهمات التي تم انجازها تعبر عن القرارات الدولية.
هذه المقاربة اوجدت مفاوضات، بقي للفلسطينيين فيها التمسك بموقفهم المبدئي، في حين أن إسرائيل تغير موقفها من جولة لأخرى. هذا النموذج سرعان ما ولد اسطورة مرفوضة في اوساط الجمهور الإسرائيلي، تقول إنه "في كل مرة يعطون فيها شيئا للفلسطينيين فإنهم فقط، يطلبون المزيد.
الفلسطينيون لم يطلبوا المزيد بل دائما طالبوا بنفس الشيء، حتى يتم قبول موقفهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة في عملية انابوليس في 2008.في المرحلة الثانية اظهروا مرونة في المواقف وقبلوا فكرة تبادل الاراضي. التي تمكن بقاء معظم الإسرائيليين الذين يسكنون خلف الخط الأخضر تحت السيادة الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك فإن هذا النموذج من المفاوضات أدى إلى تضييع وقت ثمين ومكن المعارضين في كلا الطرفين من التسبب بتآكل الثقة بين الجانبين عن طريق ارهاب قاتل وتوسيع مشروع الاستيطان.
ان غياب مخطط للحل الدائم في أوسلو والخطوات التي اتخذها الطرفان لتشكيل الواقع حسب رؤيتهم، جبت ثمنا دمويا باهظا وزائدا. الواقع الحالي، حتى وان لم يكن بالإمكان معرفة كم من الزمن سيستمر، يخدم أكثر مصالح معارضي الاتفاق في إسرائيل.
إسرائيل تخلت عن مسؤولية ادارة حياة الفلسطينيين ونقلتها للسلطة الفلسطينية، والتي فقط 40 في المئة من المنطقة واقعة تحت مسؤوليتها وموازنتها قائمة على سخاء الدول المانحة. إسرائيل ضاعفت بثلاث أضعاف عدد الإسرائيليين في الضفة، وتتحكم باقتصادها. مؤخرا هي تحظى بتأييد غير محدود من الإدارة الأميركية وأعضاء الائتلاف الحاكم لضم اجزاء واسعة من الضفة وانقراض حل الدولتين.
هنالك من يؤمنون بأن "الصفقة النهائية" للرئيس ترامب سيكون فيها ما من شأنه تسوية النزاع. من بين عبر اخرى من عملية أوسلو، أيضا هذه العبرة، فيما يتعلق بالهدف النهائي وبناء الثقة بين الطرفين، يقتضي أن يشكل عمودا اساسيا في كل محاولة مستقبلية.