Monday 15th of September 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Sep-2025

تغييرات جيوسياسية وأمنية غير مسبوقة في الضفة وغزة

الراي - كامل ابراهيم -

في أعقاب عملية القدس المحتلة التي قتل فيها ٦ مستوطنيّن والتي نفذها شابان من قريتيّ قطنة والقبيبة في الضفة الغربية، تدخل الساحة الفلسطينية مرحلة حرجة قد تدفع الاحتلال للكشف عن مخططاته لشكل المستقبل السياسي والأمني للمنطقة قبل انهاء حرب الإبادة على قطاع غزة، وسط تحذيرات إسرائيلية من أن حركة «حماس» تتمتع بقاعدة شعبية في كبرى محافظات الضفة (نابلس والخليل) وتسعى تنفيذ عمليات موجعة رداً على ما يجري في قطاع غزة من قتل وتدمير».
 
وقالت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنه منذ بداية العام ٢٠٢٥، أحبط الشاباك في الضفة أكثر من ألف عملية كبيرة، بينها أكثر من ٥٥٦ عملية اطلاق نار و ٤٦١ عملية عبوات متفجرة وأغتال نحو ١٤١ فلسطينياً. كما أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة تم مصادرة اكثر من الفي وسيلة قتالية واعتقل اكثر من ٥٠٩ من قيادات وكوادر حركة (حماس).
 
كشف تحقيق أولي أجرته الشرطة الإسرائيلية وشاباك (الشين بيت) أن منفذي عملية القدس تسلحا بسلاح محلي الصنع وسكاكين، وتسللا عبر ثغرة في جدار الفصل العنصري المحيط بالقدس، ثم استقلى سيارة نقل فلسطينيين غير حاصلة على تصاريح، وتمكنا من الوصول إلى مفترق مستوطنة «راموت» حيث نفذا عمليتهما.
 
وفق تقديرات جيش الاحتلال هذه العملية، وإن كانت فردية، إلا أنها أدخلت قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى، حيث تُخطط القيادات العسكرية لفترة توتر متصاعد تتقاطع مع أعياد يهودية قريبة، واستمرار العمليات العسكرية في غزة، وتوقعات بإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية، إلى جانب دعوات من وزراء في الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
 
في سياق متصل، يواصل جيش الاحتلال وجودها المكثف منذ أشهر في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، حيث قامت هذه القوات بهدم مئات المباني وتفكيك بنى تحتية لكتائب المقاومة- حماس والجهاد، وتغيير وجه هذه المخيمات بشكل جذري.
 
ووفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية، بعد تدمير مئات المنازل الفلسطينية في هذه المخيمات تم فتح أكثر من 11 كيلومترًا من الطرق العريضة داخل المخيمات لضمان حرية حركة قوات الاحتلال، في خطوة توصف بأنها الأكبر منذ عقود والأكثر تدميراً.
 
وأعلن وزير الامن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن القوات ستظل في المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية"حتى نهاية العام على الأقل»، لكن هناك مناقشات جارية حول مصير سكان هذه المخيمات وإمكانية عودتهم من عدمها.
 
أعادت عملية القدس طرح إشكالية جدار الفصل والعمالة الفلسطينية في إسرائيل. فمنذ بداية حرب الإبادة والتدمير على غزة، أوقفت الحكومة الإسرائيلية دخول العمال الفلسطينيين، باستثناء فئات محدودة مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين. أدى هذا القرار إلى تفاقم ظاهرة التسلل والعمل غير القانوني، مما دفع جيش الاحتلال إلى تكثيف إجراءاته (الرادعة) على خط التماس بإطلاق النار على العمال ومن ينقلهم.
 
تشهد الضفة الغربية تغييرات جيوسياسية عميقة لم تشهدها منذ عقود، لا على المستوى الأمني فحسب، بل أيضًا على المستوى الاستيطاني. فخلال العامين الماضيين، تمت المصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة في حدود ١٩٦٧، وإعلان مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية «أراضي دولة»، وإضفاء الشرعية على بؤر استيطانية كانت غير قانونية.
 
علماً أن الاستيطان برمته غير شرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧وفق القانون الدولي.
 
وتأتي ذروة هذه التحركات وهذا الاستيطان المحموم وغير المسبوق مع تصريحات وزراء في الحكومة الإسرائيلية حول «إحلال السيادة» على أجزاء واسعة من الضفة كرد على التحركات الدولية الداعمة للدولة الفلسطينية- بهدف ضرب والقضاء على حل الدولتين. إلا أن مصادر سياسية إسرائيلية تشير إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو «يفضل عدم الإسراع في خطوة الضم والانتظار لمعرفة نتائج التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة».
 
إلى ذلك، تثار إشكالية التعامل مع السلطة الفلسطينية، حيث يحذر جهاز الأمن الإسرائيلي من تقويضها، مشيرًا إلى أن العلاقة الوثيقة مع أجهزتها الأمنية تخدم المصالح الإسرائيلية(التنسيق الأمني يخدم المصالح الإسرائيلية ويساعدها في السيطرة على الضفة ويحول دون وقوع مئات العمليات ضد الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية ). في المقابل، يصر وزراء في الائتلاف الحاكم على ضرورة «تقويض السلطة الفلسطينية والقضاء عليها تدريجيًا».
 
و تؤكد المصادر الأمنية الإسرائيلية أن الضفة الغربية تقترب من «نقطة حسم تاريخية» ستحدد مصيرها، خاصة في مناطق (A) و(B) التابعة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو. وتخلص هذه المصادر إلى أن «العودة إلى الوضع السابق قبل ثلاث سنوات أصبحت مستحيلة، فالواقع الجديد على الأرض يحتم مسارًا مختلفًا، إلا أن طبيعة الثوران الأمني ستختلف جذريًا بعد الحرب المدمرة على غزة».
 
وتتزايد الدعوات داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية لـ"حسم» جبهة الضفة الغربية بشكل نهائي، عبر إسقاط سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني وخلق نموذج حكم بديل موالي ومساند لإسرائيل ومصالحة في الضفة الغربية، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية وأمنية هي الأعمق منذ عقود.
 
و في تحليل موسع، يرى الكاتب والعسكري الإسرائيلي الاحتياطي، أمير أفيفي، في مقاله بصحيفة «معاريف» بتاريخ 9 سبتمبر 2025، أن هذه العملية الجرئة في قلب القدس الشرقية ليست فردية، بل هي «جزء من جهد منظم تقوده السلطة الفلسطينية ومنظمات لاشعال جبهة متعددة الساحات» بهدف إرهاق الجيش الإسرائيلي ومنعه من تحقيق أهدافه «الحاسمة» في غزة.
 
يستند المنطق الإسرائيلي الداعي لحسم الضفة إلى تقييم مفاد أن حرب غزة تقترب من نهايتها. يستشهد أفيفي، رئيس «مؤسسة حركة الأمنيين»، بواقع أن «ثلاثة أرباع القطاع تحت السيطرة الإسرائيلية، تقريبًا بلا سكان، مقاتلين وبنى تحتية لحركة حماس».
 
ويؤكد أن الجيش يستعد للمرحلة الحاسمة: احتلال معقلي حماس الأخيرين، مدينة غزة ومخيمات الوسط. الأهداف لما بعد الحرب، كما يحددها التيار المتشدد، هي: تصفية حماس ككيان عسكري وسلطوي، تجريد القطاع من السلاح، إعادة جميع المخطوفين، فرض سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على غزة، إقامة «حكم بديل» قائم على العشائر المحلية، وليس السلطة الفلسطينية أو حماس، المضي قدماً في «خطة ترامب للهجرة الطوعية»، وجبهة الضفة: الهدف هو «إسقاط حكم أبو مازن».
 
بناءً على هذا التقييم، تدعو الأصوات المتشددة، كما في مقال «معاريف»، إلى نقل نفس النموذج المطبق في غزة إلى الضفة الغربية. الهدف المعلن هو «تحديد هدف حرب واضح لجبهة الضفة: تصفية ((الإرهاب وإسقاط حكم الإرهاب للسلطة الفلسطينية)).
 
وتتلخص الرؤية المقترحة في الضفة الغربية: «تجريد من السلاح» شامل في الضفة بما فيها قوات الامن الفلسطينية.
 
، استبدال سلطة الحكم الذاتي بـ «حكم محلي عشائري»، تطبيق القانون الإسرائيلي على المنطقة (ج) على الأقل، وهي خطوة تمهيدية للضم الفعلي، تعزيز الاستيطان بملايين اليهود.
 
ويعبر التحليل عن رفض تام للوضع القائم، واصفاً سلطة الحكم الذاتي بأنها كيان «يروج للمقاطعة ومعاداة السامية العالمية، ويحرض في أجهزة التعليم ويدفع المليارات للمخربين على قتل اليهود».
 
يعيد التحليل أيضاً فتح ملف العمالة الفلسطينية، مطالباً بمعاقبة المساعدين للعمال «غير القانونيين» بشدة، والاستعاضة عنهم بعمال أجانب، حيث يشير إلى لقاء مع سفير الهند ورغبة بلاده في إرسال عمال، على أن يتم ذلك بشكل أسرع لسد الثغرة الأمنية والاقتصادية.
 
يختتم التحليل بربط الصورة الكبيرة، مشيراً إلى أن «نهاية المعركة متعددة الساحات» في غزة تقترب، مما يستدعي الاستعداد لـ «حسم المعركة التالية، المعركة على أرض إسرائيل»، في إشارة إلى الصراع الطويل الأمد مع الفلسطينيين والذي يرتدي أشكالاً مختلفة.
 
هذا الطرح المتشدد، الذي يعكس وجهة نظر جزء من المؤسسة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يصطدم بتحفظات سياسية ودولية. فكما أشارت «يديعوت أحرونوت»، فإن رئيس الحكومة نتنياهو يبدو متردداً في الإسراع بخطوات الضم، مفضلاً التريث ومراقبة التحركات الدولية، خاصة التصويت المرتقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الاعتراف بدولة فلسطينية.