Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Apr-2019

تحرك واشنطن أصبح ملحاً لإنقاذ المصالح الأميركية المهددة في ليبيا

 الغد-بين فيشمان – (ذا هيل) 15/4/2019

كان من المفترض أن يكون نيسان (أبريل) شهراً مهماً في عملية الانتقال التي تشهدها ليبيا خلال مرحلة ما بعد القذافي. وبعد تنظيم حوارات محلية في مختلف أنحاء البلاد، حددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا موعداً لعقد مؤتمر حوار وطني في مدينة غدامس التاريخية، بعيداً عن المراكز الساحلية حيث أدى التسابق السياسي المحتدم إلى شل النظام السياسي في ليبيا. ولطالما كان المؤتمر جزءاً أساسياً من خطة مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة لإقناع الشعب بإجراء انتخابات جديدة واستفتاء على الدستور.
من الناحية النظرية، كان من شأن هذه المحطات السياسية أن تصحح الانقسام الذي شهدته أول عمليتين انتخابيتين في ليبيا في العامين 2012 و2014، والذي أسهم في تسريع اندلاع حرب أهلية في العامين 2014 و2015 وقسّم الحكومة بين شرق وغرب.
ولكن، بدلاً من انعقاد الاجتماع لمناقشة هوية ليبيا وشكلها السياسي في المستقبل، نسف الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في شرق البلاد، احتمالات إجراء حوار من خلال إطلاق هجوم على طرابلس في 4 نيسان (أبريل). وفعل ذلك في اليوم نفسه الذي زار فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس طرابلس للمساعدة في وضع اللمسات الأخيرة على خطط الحوار الوطني -في مؤشر صارخ على عدم احترام الممثل الأعلى شأناً للمجتمع الدولي. والأسوأ من ذلك، أن غوتيريس سافر إلى مقر حفتر خارج بنغازي في اليوم التالي ليلتمس منه تخفيف التصعيد. وفور مغادرته، غرّد غوتيريس: “إنني أغادر ليبيا بقلب حزين وقلق عميق. لكنني آمل أن يكون من الممكن تجنب مواجهة دموية”.
ليست واشنطن مسؤولة مباشرة عن هذه الجولة الأخيرة من الفوضى في فترة ما بعد الثورة. فالليبيون وحدهم يتحملون مسؤولية أفعالهم، على الرغم من التدخلات الخارجية المستمرة في شؤونهم. ومع ذلك، أسهمت إدارة ترامب في نشوء الوضع الراهن بسبب تخليها عن ليبيا إلى حد كبير -حيث قد تنشب حرب أهلية عوضاً عن عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة. والآن، أصبحت المسألتان الرئيسيتان اللتان تهمّان الإدارة الأميركية في ليبيا -أي الحرص على عدم نهوض تنظيم “الدولة الإسلامية” مجدداً وزيادة إنتاج النفط- مهددتين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان، وإلى أي مدى، سيتمسّك وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالتصريح الذي أدلى به في 7 نيسان (أبريل) بأنه يعارض هجوم حفتر.
ويبدو أن الجهات الفاعلة الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، قد تفاجأت بخطوة حفتر الجسورة. فبدلاً من أخذ تهديداته السابقة بمهاجمة طرابلس على محمل الجدّ، قاموا بدعوته إلى باريس (مرتين) وإلى صقلية، وعاملوه كما لو أنه رئيس دولة. ومنذ العام 2016، تحاول الأمم المتحدة وداعموها الغربيون من دون جدوى إشراك حفتر في عملية سياسية، لكنه نجح في المماطلة لفترة طويلة بما يكفي لشن هذا الهجوم.
وإذن، ما الذي دفع حفتر إلى التحرك الآن، وهل اعتزم يوماً دعم الانتخابات؟ هناك العديد من الاحتمالات. فقد استحوذ حفتر والجيش الوطني الليبي مؤخراً على أكبر حقل نفط في البلاد من ميليشيا موالية لحكومة الوفاق الوطني وتفاوض على ولاء مدينة خارج طرابلس. وربما تكون هاتان المبادرتان قد عززتا ثقته بأنه قادر على تنفيذ عمليات إضافية من قاعدته في الشرق.
ثم يبرز السؤال عن داعمي حفتر الأجانب -مصر والإمارات في المقام الأول، وكذلك روسيا وفرنسا، وربما السعودية، زارها حفتر قبل أسبوع واحد فقط من هجومه وتلقى وعوداً بدعم جهوده وفقاً لبعض التقارير. ويُذكر أن السعوديين لم يتدخلوا عموماً في الشؤون الليبية منذ العام 2011، ولكن يبدو أن الإمارات أقنعتهم أخيراً بلقاء حفتر، مما عزّز شرعيته في الحرب الإقليمية الجماعية ضد جماعة الإخوان المسلمين الأوسع. وعلى الرغم من استضافة روسيا لمجموعة من الجهات الفاعلة الليبية، إلا أن الروس يميلون بوضوح إلى حكم حفتر الاستبدادي المناهض للإسلاميين؛ كما أفادت بعض التقارير أن موسكو تبقي مقاتلين بموجب عقود من مجموعة فاغنر (وهي منظمة روسية شبه عسكرية) في بنغازي منذ عدة سنوات.
أما الأوروبيون، فضعفاء ومنقسمون بشأن ليبيا حيث يدعمون جميعاً -اسمياً- عملية السلام بقيادة الأمم المتحدة، وإنما بدرجات متفاوتة من القناعة. المملكة المتحدة صريحة، لكن تأثيرها آخذ في التراجع. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فكان القائد الأول الذي دعا حفتر إلى عاصمة غربية، مقتنعاً في وقت مبكر من رئاسته بأنه قادر على حل الجمود السياسي في ليبيا. ونجح الفرنسيون الآن في إقناع الاتحاد الأوروبي بإرجاء إدانته المباشرة لأعمال حفتر. وبالنسبة لإيطاليا، فقد تمسّكت بموقف داعم إلى أقصى الحدود لطرابلس، بالنظر إلى مصالحها في مجال الطاقة في غرب ليبيا، لكن أولويتها القصوى هي إبقاء مسار وسط البحر المتوسط مغلقاً أمام المهاجرين غير الشرعيين. وفي ظل نائب رئيس وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني، قد توافق إيطاليا بسهولة على سيطرة حفتر على البلاد شرط أن يتبنى موقفاً مناهضاً للمهاجرين.
ومن جهتها، نأت إدارة ترامب بنفسها بشكل عام عن الشؤون الليبية، بتوجيه من الرئيس الأميركي حين قال: “لا أرى أي دور لنا في ليبيا. أعتقد أن الولايات المتحدة تضطلع في الوقت الراهن بما يكفي من الأدوار”، مستثنياً مسألة تنظيم “داعش”. وبالإضافة إلى مكافحة الإرهاب؛ حيث تواصل الولايات المتحدة ضرب أهداف مرتبطة بتنظيميْ “داعش” والقاعدة، اتخذت إدارة ترامب خطوات فعالة لمنع أي تعثّر في الإمدادات النفطية -وهو ما تسبّب به حفتر مجدداً في تموز (يوليو) الماضي. لكنها بذلت جهوداً محدودة لدعم جهود السلام بقيادة الأمم المتحدة.
الآن، حان الوقت لإعادة إحياء الدبلوماسية الأميركية بشأن ليبيا. يتعيّن على الوزير بومبيو التواصل مع داعمي حفتر الرئيسيين وتحذيرهم من أنه ما لم يسحب قواته، فإنه سيخضع لعقوبات أميركية -بموجب سلطة طبقتها إدارة ترامب مرتين ضدّ أفراد شكلوا تهديداً لسلام وأمن واستقرار ليبيا. وسيتمّ تشديد هذه العقوبات إذا هدّد الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات مماثلة، وستعزل حفتر وتحول دون تكريمه في باريس أو روما. ويجب أن تكون هناك عواقب على ازدرائه المجتمع الدولي وعملية السلام المدعومة من الأمم المتحدة.
على الرغم من توقيف نشاط قوات حفتر عموماً في الوقت الحالي، إلا أن احتمال وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين يزداد طالما بقي في السلطة. وحتى لو حقق نجاحاً في طرابلس، فمن المرجح أن يستمر التمرد طويل الأمد لأشهر عدة، مما يترك ليبيا في مهب رياح عودة “داعش”. وسيكون من غير المرجح تحقيق إنتاج مستقر للنفط. ولعل أكثر ما يثير القلق، هو أن روسيا ستكون أول بلد يعترف بحفتر ويدعم تحركاته المستقبلية، مما قد يشكّل كارثة بالنسبة لأوروبا ويقوّض الاستراتيجية الخاصة بإدارة ترامب بشأن أفريقيا.
وأخيراً، يمكن للولايات المتحدة أن تمنع هذا السيناريو، لكن عليها تبني شعور بالضرورة الدبلوماسية الملحة بشأن قضية تغاضت عنها الإدارة الأميركية في أغلب الأحيان.
 
*زميل رفيع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعضو في برنامج بيث وديفيد جيدلد للسياسة العربية. خدم في الفترة بين 2009 و2013 في مجلس الأمن القومي الأميركي، من بينها كمساعد تنفيذي للسفير دينيس روس، ومدير شؤون ليبيا، وبعد ذلك، مدير لشؤون شمال أفريقيا والأردن.
*نشر المقال بالإنجليزية تحت عنوان: With Interests in Libya Under Threat, U.S. Must Adopt Urgency