الدستور-زينب السعود
في بداية رواية أبناء السماء يحذر الروائي يحيى القيسي القارئ بقوله (أما وقد وصلت إلى هذا الباب فاعلم إنك إذا ولجته لن تستطيع العودة إلى الوراء) وهو إشارة واضحة منذ البداية أن ما سيأتي في ثنايا الرواية سيتصادم ربما مع القناعات المعتادة والرتيبة لدى عامة الناس فإذا كنت أيها القارئ لست مستعدا للدخول في المتاهات (فاحذر وعد من حيث أتيت).
وعلى الرغم من هذا التحذير إلا أنني تابعت المسير لأنني أريد الفهم وأريد العلم وأريد أن أرسو على بر خاص بي، كما لم يفعل بطل الرواية الذي كان معلما يعلم الفضائل لطلابه في النهار ثم يتحول إلى صياد للكنوز في الليل. والبحث عن الكنوز والحفريات والذهب قصة لا يكاد بيت من بيوت الأردن من شماله إلى جنوبه لم يسمع بها وربما مارسها البعض خفية حتى عن أهل بيته، وهي من الممارسات والأعمال التي يشوبها الحذر والقلق والخوف ليس فقط الخوف من القانون الذي لا يسمح بها بل من أجواء الرعب المحيطة بها وهو ما أشار له الكاتب ابتداء عندما حدثنا عن صرة البخور والمشعوذة المغربية وتعازيمها وهي الأدوات الأولى التي يستجلبها فيما يبدو صائدو الكنوز وحفارو الذهب. بالمجمل إذا أردت أن أصف شعوري الخاص بعد إتمام رواية أبناء السماء ليحيى القيسي أرى أنني خرجت منها بفكرة أشمل وأعمق من مجرد فكرة البحث عن عوالم أخرى. تلك هي فكرة الخروج من مرحلة الشك إلى مرحلة اليقين. فالتطور الذي طرأ على الشخصية الرئيسة في رحلة صراعها الفكري وبحثها وتأملها جعلها تنسف قناعاتها السابقة من اللا إيمان إلى الإيمان ومن الإنكار إلى التسليم ومن البعد والتخلي إلى القرب الروحي الشفيف الذي يشير إلى حالة صوفية رقيقة.
الرواية مجموعة من الأفكار والتأملات والمحاكمات التي تستند إلى وعي ربما يتجاوز بعض الخطوط ولكنها تبقى عملية أدبية تخيلية تثير في القارئ تساؤلا وتفتح أمامه آفاقا كثيرة للتفكير وشخصيا أحب أن أقرأ أعمالا حديثة للكاتب يحيى القيسي وأعترف أنني ممن يعقدون المقارنات بين نتاج وآخر للأديب نفسه، لأمر يتعلق بي وبرغبتي في تتبع التطور والنمو الذي يطرأ على الفكرة والأسلوب وغيرها من أدوات الكتابة.
أخيرا، في إحدى المقابلات التلفزيونية وجهت المذيعة سؤالا للقيسي عن أثر البيئة في كتاباته، قال إنه ابن قرية (حرثا) التي تحفل بالآثار وتطل على نهر اليرموك الذي حدثت به الموقعة الشهيرة، وهي أيضا كجغرافيا تطل على سوريا وفلسطين فهذه المنطقة برأيه لها خصوصية تدفع الإنسان إلى التأمل والتفكر، وربما ساهمت في بلورة بعض الأحداث والانشغالات التي قامت عليها الرواية.