الروائية غصون رحال: «مَنُّ السَّما» رواية الحب والحرب والموت والجنون وصراعات البشر وتناحرهم
الدستور-نضال برقان
استضاف نادي خريجي الجامعة الأردنية، نهاية الأسبوع الماضي، المحامية والروائية غصون رحال بأمسية ثقافية لمناقشة روايتها «مَنُّ السَّما»، الصادرة عن دار «العائدون للنشر والتوزيع» - عمّان/ الأردن، التي جاءت في 254 صفحة قطع وسط، بغلاف من تصميم الفنان رائد قطناني، وهي الرواية الخامسة لرحال بعد موزاييك (1999) دار الشروق للنشر ولتوزيع -عمّان – الأردن، شتات (2002)، خطوط تماس (2006)، في البال (2010) المؤسسة العربية للدراسات والنشر – عمّان – الأردن، فيما أدار الأمسية الإعلامية تغريد العجارمة بحضور عدد من رواد النادي.
وتطرقت الروائية غصون رحال بالأمسية إلى مسيرة كتابتها لرواية «مَنُّ السَّما»، التي تشبه حالة الحمل والولادة، و»مَنُّ السَّما» هي حلوى عراقية مشهورة وعندما بدأت في كتابتها لم يكن لها عنوان إلى أن «سقطت عليّ من السماء ذات يوم في دكان صغير لبيع هذه الحلوى، إنها هبة السماء»، وترمز إلى التدخل الإلهي الذي ترتجيه بطلة الرواية «عهد» لخلاص البشرية من جحيم الحرب والظلم واستبداد الإنسان»، فيما تطل الرواية على ما يجري في هذا العالم بعين كبيرة خارقة، تسجل بألسن متعددة ولغات مختلفة ما يدور على صفحة هذه الأرض من مظاهر الخراب وانعدام للإنسانية، مشيرة إلى أن العمل في هذه الرواية استغرق منها أربع سنوات من العمل والبحث والتقصي، وكتبت في مراحل مختلفة، ولكن الشرارة التي أوقدت شعلة الكتابة هي حادثة حرق «19»، امرأة يزيدية من قبل تنظيم داعش بعد احتلاله لمدينة الموصل العام 2014، وان هذه الرواية هي «رواية الحب والحرب والموت والجنون في زمننا هذا، صراعات البشر وتناحرهم، القوى العظمى والدينية وما تمارسه من سلوكيات لا إنسانية، سجون واغتصابات هنا وهناك، فيما تثير «من السماء» لدى القارئ إشكالية العلاقة بين العمل الفني والواقع.
بدوره تحدث الناقد والقاص الدكتور زياد أبولبن عن رواية «مَنُّ السَّما» للكاتبة غصون رحال «بتقديم ورقة نقدية»، يبقى القول، تعد الرواية إضافة جديدة في السرديات الحديثة، وقد استطاعت غصون رحال في روايتها «مَنّ السّما» توظيف التاريخ كمسرد متخيل بتقنيات الرواية الحديثة، ووعي اللحظة الراهنة في اشتباك السرد المتخيل مع الواقع، فيما يقوم البناء السرديّ في الرواية على الصور والأمكنة والأزمنة والشخوص والتفاصيل الصغيرة، فهي صور متلاحقة ومتشظية في الوقت نفسه، كما أنّ الأمكنة موزعة في عوالم يحتكم لصراع البشر، والأزمنة مرتبطة بتسارع الأحداث، وتعدد الشخصيات، وإنّ التفاصيل تشتت ذهنية القارئ في التقاط مفاصل الأحداث، مما جعل من الرواية حكاية يصعب السيطرة عليها من قراءة أولى أو واحدة.
وتابع الناقد أبولبن: من اللافت للنظر عنوان الرواية «مَنُّ السّما»، التي صدرت عن (دار العائدون للنشر والتوزيع) في عمّان لعام 2020، الذي يشكّل عتبة كبرى، فالقارئ قد يدفعه السؤال حول العنوان (مَنّ السَّما)، ومع يحمله من دلالة ترتبط بأحداث الرواية، ليتمحور السؤال في مركزية الرواية نفسها، تلك المركزية التي تتخذ من المكان بؤرة لإقليم كردستان في العراق، وما جرى هناك من قتل ودمار وحرق واغتصاب وسجن من جماعات «داعلش»، بل من إبادة جماعية، وما تعرضت له النساء اليزيديات من اغتصاب وبيعهنّ جواري في سوق الرقيق، و»مَنّ السَّما» هو الاسم المتداول لحلوى المَنّ والسلوى في كردستان، وبما أنّ عيش اليزيديين في إقليمهم يشبه تلك الحلوى، فقد انقلب عيشهم لجحيم داعشي سيعانون منه سنوات طويلة. وكما أفضت الكاتبة باختيار هذا العنوان لروايتها قد قصدت «أنّ العالم وصل إلى مرحلة من الفساد والخراب والبؤس غير قابل للإصلاح إلا بتدخل إلهي».
وقام د. فوزي الخطبا بتقديم شهادة إبداعية جاء فيها: الروائية غصون رحال أديبة وروائية وصاحبة قدرات إبداعية متميزة، فهي محامية وتكتب نصوص مفتوحة ومسرحيات وناشطة في حقوق الإنسان وقانون التنمية ومترجمة، تكتب من جمر الكلام ووجع الوقائع وآلام السنين وانكسارات الأزمات، فلسطين حاضرة في أعمالها الإبداعية صورت عمق المأساة والآلام الفلسطينية من تشرد وغربة ومعاناه ومراره وقسوة في الداخل والشتات من المعذبين في الأرض، وصورت أيضا صورة الجروح النازفة، فهي تكتب من داخل النص لا من أكتاف الكلام ولديها قدره فائقة في الوصف ونقل المشاعر والأحاسيس، تتشرب ملامح الأمكنة في أعمالها بنسق سردي جميل ملفت للنظر.
فمن حرائق الأمكنة تسري عروق روايتها الأخيرة «مَنُّ السما» فمن جنيف إلى العراق أربيل في إقليم كردستان، ومتنقله ما بين سوريا وغزة وأفغانستان وإيران، والذي يقرأ غصون رحال في روايتها الأخيرة يجد أن هذه الرواية بمضامينها المتعددة والمتدفقة، ومعمارها الفني تختلف عن الروايات السابقة حتى في الغلاف وعتبات النص.